خلعت البلاد ثوبا أسود بعد انتهاء جلسة يوم الأربعاء الماضي الخاصة بالتصويت على كتاب عدم التعاون مع رئيس الحكومة، ونيله الثقة.
ولكن هل نزعت البلاد حقيقة الثوب الأسود؟ وأي لون من الألوان سيكون عليه ثوبها الجديد؟ وما هو لون الثوب الذي كانت ترتديه قبل ذلك الأسود المنزوع؟
لو سئلت ذلك السؤال، فسوف أجيب بأن الأثواب الثلاثة سود!
هي ـ أعني البلاد ـ مثل المرأة المعتدّة أو الثكلى لا ترتدي غير السواد، تبدل أثواب الحزن وكلما نضت عن جسدها ثوبا أسود لبست آخر أسود. تعددت الأثواب واللون واحد والحزن كثير!
أختلف كثيرا مع الإخوة الذين يختصرون أزمة البلاد بما يمر عليها من قضايا طارئة أو مستجدات سياسية، مثل الأزمة الأخيرة، لأنني وكل عاقل ومنصف يجب أن يرى الأمور بمنظور آخر يدقق في الوقائع ويفتش في الأسباب الحقيقية وألا يؤخذ بعابرات الريح أو «السرايات والعوافير» فيحسبها الزلزال الذي سيعصف بالبلاد ويهز أركانها!
«الميت ما تضره الطعنة» ـ كما نقول في مثلنا الشعبي ـ و«لن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها» ـ كما قالت تلك العربية في قديم الزمان العربي ـ والبلاد «ميتة لن تضرها الطعنة» و«شاة مذبوحة لن يضرها سلخها»، وما تلك الأزمات المتواليات المتتاليات إلا ضرب من ضروب الطعن والسلخ لجسد ميت!
الصدود عن أساس المشكلة أو سبب العلة لن يوصل بالتأكيد لا لتشخيص صحيح ولا لعلاج نافع أو ناجع وأنا لست طبيبا في أمراض البلدان، ولكنني أرى أن سبب علة بلادنا يكمن في عدم توافقها مع نظامها السياسي، وهو هنا الدستور والذي بات هو العلة وهو الحل. هو العلة من حيث عدم قدرتنا على هضمه والتعامل وفق نصوصه وداخلها، وهو الحل أو العلاج من حيث هو بمنزلة الوصفة الطبية التي تقضي على الأمراض التي نشكو أو تشكو البلاد منها، ومتى ما حكمناه بيننا انتهى كل ما نشكو منه من مرض وبرئنا وصحت بلادنا.
والذين رفعوا راية «إلا الدستور» وناموا أو قاموا تحتها وجعلوها مظلة ظليلة يتفيأون ظلالها وقت الهجيرة، هم رغم حسن نواياهم، يغمضون عينا عن الدستور ويفتحون أخرى عليه، بمعنى أنهم يتخذون الدستور هزوا غير جادين في الإيمان به كله، ويؤمنون به ضمن أجندة ضيقة جدا لا يوافقهم عليها أحد!
والسلطة من ناحيتها هي أيضا ترى في الدستور شوكة في حلقها أو خنجرا في خاصرتها لذلك فهي حالها حال أولئك السادة الدستوريين!
وكذلك نحن الشعب نعبث بالدستور كما يشاء لنا الهوى ونلعب لعبة الانتقائية بين مواده وحسب توجهات كل منا، أو توجهات الذين نتبعهم من سياسيين. ولا يمكنني أن أصدق أن من سعى وبارك ووافق على عدم تجنيس غير المسلم، أو من شرع قانون عدم الاختلاط الدراسي، أو من قيد الحفلات الغنائية بثلاثة عشر ضابطا أو من منع الخمور، أو من يسعى للفتوى الدينية كلما غامت على سمائه غمامة، أو غير تلك من قوانين غير دستورية، هو يؤمن بالدستور، وأن علي أن أصدقه إذا ما زعم إيمانه بالدستور. إن المحامي الحق عليه – أولا - أن يؤمن بالقضية المعروضة عليه حتى يتولى الدفاع عنها، وإلا فهو محام انتهازي «بلّاع بيزة»!
[email protected]