صالح الشايجي
كنا تلاميذ صغارا في المرحلة الابتدائية دون العاشرة من أعمارنا، دخلنا المرحلة الدراسية ناعمي الاظفار، نفوسنا طرية وأعوادنا كذلك، ولم تكن عقولنا مشغولة بشيء من أمور الحياة، فلا هم ولا كد ولا وساوس تشغل البال.
كان عالم «المدرسة» شيئا جديدا علينا، وكان أشبه ما يكون بـ «الغربة»، وانتقال من عالم الى عالم، ومن بيئة الى بيئة، فكانت المدرسة حينذاك - والزمن يعود الى اوائل خمسينيات القرن الماضي - شيئا يختلف عن بيئتنا ومجتمعنا اللذين نعيش فيهما، فلا البيت ولا الشارع ولا حتى اللباس قريب اي منها الى عالم المدرسة، حيث المدنية والتحضّر واللباس المهندم والاحذية الانجليزية اللماعة، والمدرسون على هيئاتهم المختلفة عن رجل الشارع، والمبنى النظيف الحديث البناء والمرافق والادوات الحديثة التي لم نتعود عليها - أو أغلبنا على الاقل - في بيوتنا.
كان ذاك عالم مدرسة «المثنى» الواقعة في شارع «فهد السالم» في العاصمة، والتي حل محلها الآن مجمع تجاري ضخم يحمل الاسم نفسه، والشواهد عدة التي أردت او هدفت الى الاستشهاد بها في هذه المقالة، ولكنني سأقصر شاهدي وشهادتي على امر واحد، أرى استعادته أو جلبه من خزانة الماضي، ضرورة تذكيرية وشهادة في حق زمن بريء أستعين بها على زمن متوحش، هو هذا الزمن الذي نعيشه الآن!
اما الشاهد، فهو تعليمنا ونحن الصغار «نظام المرور»! ولم يكن التعليم نظريا، بل كان تطبيقيا وعمليا، حيث تم تخطيط ردهات المدرسة وممراتها على شكل مسارين واتجاهين، والزامنا التقيد بالمسار المخصص للاتجاه الذي يقصده كل منا، فلا نخرج عن الخط ولا نتجاوز ولا نتعدى!
أقول ان ذلك حدث في بداية الخمسينيات، اي قبل ما يقرب من ستين عاما، ولم تكن السيارات بتلك الكثرة، بل كانت شحيحة ونادرة، ولم تكن هناك وقتها شوارع وطرق سريعة ولا اشارات ولا ما ينظم حركة المرور، مثلما نراه الآن، ورغم ذلك فقد فكرت ادارة المدرسة في تعليمنا التقيد بنظام المرور! فأين نحن الآن من ذلك، ومن تلك الانضباطية وربط الاطفال بمعنى القانون وضرورة احترامه؟! كيف انهارت تلك القيم لتصبح شوارعنا الآن ميادين قتال عشوائي وفوضوي، من يحترم فيها قانون المرور يكون كالجندي الجبان في ميدان القتال؟!
هل يلومنا أحد على تعلقنا بذلك الزمن؟