أطرق باب تونس متأخرا وبعدما وضعت الحرب أوزارها وترمدت جثث الشهداء وترملت الزوجات وتيتم الابناء وثكلت الامهات وانسحبت البيارق السوداء الحزينة.
في الفرح لك ألف مبارك، وفي الحزن تلوذ وحدك، ولست اكتب في فرح تونس ولا في حزنها، لكن تونس رقصت وفرحت في حزني وباركته وتمنت دوامه، ليس حزني وحدي بل هو حزن وطني كله حينما غزاه صدام حسين واحتله في ذلك الصباح الاسود، رقصت تونس وهنأت نفسها واعتبرت ذلك اليوم عيدا قوميا مفروضا على العرب الاحتفال به كل عام.
زرت تونس اول مرة عام 1975 ووجدتها بلدا جميلا وشعبا طيبا كريما محبا للبهجة والفرح وودودا، ولكن حركة المعمار فيها متأخرة ومعظم ما هو قائم فيها كان مما شيده الفرنسيون اثناء احتلالهم لها، حتى ان الفندق الذي كنا نقيم فيه كان قديما وعلى الطراز القديم، فضلا عن ان فنادقها قليلة وحركة السياحة فيها ضعيفة جدا، وسبب ذلك عدم وجود منشآت سياحية وخدمية مما يتعين توفيرها في البلاد السياحية مثل الفنادق والاماكن الترفيهية، وكان هذا النقص الفاضح في المنشآت السياحية يحرم تونس من دخل قومي من المفترض ان تدره عليها السياحة.
بدأت الكويت بإنشاء الفنادق في تونس مما ساعد على تنشيط السياحة وزيادة دخلها القومي حتى صارت من البلاد السياحية التي يقصدها السياح من مختلف بلدان العالم وبالذات الاوروبيون.
ولكن في عام 1990 وحينما وقع الغزو العراقي على الكويت، وقفت تونس في صف المعتدي العراقي وايدته حتى ان رئيسها المخلوع بن علي لم يحضر القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة لبحث الغزو وتداعياته وما يجب عمله من اجل اخراج الجيش العراقي من الكويت، وبالغت تونس في نصرتها لصدام حسين وذهبت في ذلك الشطط الى ابعد مدى.
ومعروف ان العرب صاروا فريقين او «فسطاطين» ـ على رأي بن لادن ـ فريق مؤيد ومبارك للغزو وفريق رافض، ومن حسن الحظ ان الدول الواقفة في الصف العراقي هي دول هامشية لا تأثير لها في السياسة العالمية، اما الدول الرافضة للغزو فهي الدول المهمة والمؤثرة وذات الثقل.
كانت تونس تقع ضمن «الفسطاط» الاول المؤيد للغزو، وكانت المملكة العربية السعودية على رأس الفريق الثاني الرافض والمندد بالغزو ودورها بعد ذلك معروف وما قامت به من اجل تحرير الكويت سطرته كتب التاريخ.
والمفارقة العجيبة ان الرئيس التونسي المخلوع بن علي والذي قاد تونس للوقوف في صف المعتدي العراقي لم يجد له ملاذا في محنته ـ وبعدما ركلته بلاده ورفضه شعبها واعتذر عن قبوله حتى اقرب اصدقائه ـ غير المملكة العربية السعودية التي كان قبل عشرين عاما يعتبرها على رأس قائمة اعدائه.
وهذا ذل مضاف لبن علي واللهم لا شماتة.
[email protected]