للتعذيب في بلادنا قوانين وتشريعات صادرة من أعلى سلطة تشريعية في البلاد! وله مريدون ورواد ومحبون ومعجبون ومحترفون، وليس هو طارئا ولا عشوائيا ولا اجتهادا فرديا يمارسه الهواة والشاذون بمحض إرادتهم وبدافع من هواياتهم وحبهم له.
عمر التعذيب في بلادنا من عمر ديموقراطيتها ومجلس أمتها، منذ ذلك الصبح القديم عرفت الكويت التعذيب وأعطته الشرعية وأصبح تحت حماية الدولة وفي رعاية قوانينها وكنف مشرعيها.
والتعذيب الرسمي الشرعي مازال مستمرا ولن يتوقف ما دام الدستور معطلا فعليا ومفعلا شكليا.
إن القوانين اللادستورية والتي شرعها مجلس الأمة والمتسلطة على حرية الفرد والمجتمع والتدخل في خصوصيات الأفراد ورسم سياسة منهجية موحدة للناس وفرض المأكل والمشرب والملبس عليهم والحد من حرية اختياراتهم، هو أشد أنواع التعذيب، فحينما لا يكون المرؤ حرا في اختيار نمط معيشته وشكل الحياة التي يريد أن يحياها، فذلك أشد أنواع التعذيب والتعسف والإيذاء النفسي الذي يفوق كثيرا في أضراره العذاب الجسدي. بل إن العذاب النفسي سينجم عنه بالضرورة عذاب جسدي، وليست عنا ببعيدة قصة الشاب التونسي «محمد البوعزيزي» الذي أحرق جسده! فهو فعل ذلك تحت وطأة التعذيب النفسي والإيذاء المعنوي الذي تعرض له، ولم يكن إقدامه على حرق نفسه نتيجة تعذيب جسدي!
وربما لو فتشنا ودققنا في قضية وفاة الشهيد «محمد المطيري» لوجدنا بين مسببات وفاته جزءا من تعذيب نفسي ناله وهو طريح فراش التعذيب بين جلاديه!
وأعتقد أن القصور في التفكير وضحالة الفهم هما اللذان يقوداننا إلى الاستنتاجات الخاطئة وذلك حين نقصر الأمور على الوقائع المادية ونغفل الحسية والمعنوية ولا نوسع دائرة التفكير لتشمل أكبر قدر من مساحة التفكير مستفيدين مما يتيح لنا العلم الحديث من التعويل على الأمور النفسية، لأن الإنسان ليس جسدا فقط بل هو جسد وروح، والروح قبل الجسد فهي التي تحس بالعذاب بينما الجسد، إن خلا من الروح، لا يحس بالعذاب. وما يلجأ إليه أطباء التخدير حين إجراء العمليات الجراحية هو في الحقيقة تخدير للروح لا تخدير للجسد، والدليل أن الجسد باق كما هو دون ألم رغم المشارط والمباضع والسكاكين التي تقطعه.
ما قصدته من هذه المقالة وما هدفت إليه، هو أن تكون نظرتنا للتعذيب موحدة، ومثلما نحن نستنكر ونؤثم التعذيب الجسدي فإن المسؤولية الأخلاقية تدعونا في الوقت نفسه إلى رفض التعذيب النفسي واستنكاره بصورة موازية وربما أشد ، من التعذيب الجسدي.
وعلى الإخوة المشرعين في مجلس الأمة الحاملين لواء الاستنكار للتعذيب الذي يتعرض له بعض الذين يقعون في أيدي رجال المباحث، عليهم أن يراجعوا جميع القوانين التي تشرع للتعذيب النفسي من أجل الغائها، حتى يكونوا صادقين في دعاواهم وفي رفضهم لفكرة التعذيب من أساسها.
[email protected]