صالح الشايجي
الغالبية من الناس هي التي تقع ضحية ما يسمى بـ «الصدمة الحضارية»، حيث تجد هذه «الغالبية» نفسها عاجزة وغير قادرة على التأقلم مع اي مستجد حضاري وثقافي، لانها غير مهيأة لا نفسيا ولا ثقافيا لمثل هذا المستجد، كما انها تعاني من قصور فكري يمنعها من التقدم وتقبّل هذا المستجد والتعامل معه ومن ثم الاستفادة منه، لذلك فان هذه الفئة العاجزة، ومن خلال غريزة الدفاع عن الذات والمصالح الخاصة، تلجأ الى مهاجمة هذا المستجد عاملة على تقويضه والتشكيك فيه ورفضه والتخويف منه، مع اعادة احياء القديم وبعث الحياة في الموروث الثقافي الذي يتجانس وطبيعتها الثقافية وقدرتها العقلية.
حدث هذا عند ظهور كل نبي وكل دين جديد، حيث يتدافع التقليديون والمتقيدون بالثقافة السائدة، الى رفض هذا الدين الجديد والنبي الجديد، لان ما يحمله هذا الدين او هذا النبي من مفاهيم جديدة، ينسف كل التقليدي السائد او معظمه ويبشر بثقافة جديدة لا تناسب امكانات تلك الفئة العقلية، لذلك يتم رفضه ومحاربته!
ولعل خير شاهد على ذلك ما زخر به القرآن الكريم من صور واستشهادات تؤكد هذا الامر، مثل محاربة قوم سيدنا «ابراهيم» ( عليه السلام ) له، ثم تبعه بقية الانبياء بما لاقوا من غلاة ومتخلفي اقوامهم من عنت واذى، رفضا للرسالات الجديدة التي حملها اولئك الانبياء سلام الله عليهم، ولعل ابرز تلك الصور ما عاناه نبينا محمد ژ من تقليديي قريش الذين رفضوا ما تضمنته رسالته الحضارية والتقدمية من استنارة واضواء كاشفة لمستقبل لا يلتفت الى الماضي.
لعل مكمن المشكلة هو في ان هذه الفئة والمسماة تقليدية، تشكل غالبية الناس، لان النخبة او الصفوة من البشر هم القلة، اما السواد الاعظم من الناس، فهم ينتمون الى تلك الفئة العاجزة فكريا وعقليا وهم القاصرون والبسطاء او من يسمون بالدهماء.
ووصولا او عكسا للواقع على مجتمعنا نجد الصورة مطبقة تماما ولا تحتاج الى ادلة وبراهين، فثمة فئة فكرية ناضجة تشكل نخبة المجتمع وصفوته، تطالب بالتقدم والتحديث والتمدين، مقابل شرائح عريضة من الناس عاجزة عن تقبل هذا الجديد والمستحدث، وتطالب بالابقاء على «عاداتنا وتقاليدنا» لانها غير قادرة على التكيف مع الثقافات الجديدة نتيجة قصورها العقلي! ولكن الفئة القليلة المستنيرة هي المنتصرة في نهاية الامر!