أول جمهورية عربية قامت هي «الجمهورية اللبنانية» قبل ما يقرب من سبعين عاما وفي أربعينات القرن العشرين.
وهي الى كونها الجمهورية الاولى فهي الجمهورية العربية الوحيدة التي يمكن اطلاق تسمية «جمهورية» عليها، وذلك لانتمائها الكامل لمعنى الجمهورية مثل خضوع الرئيس للانتخاب وتحديد مدة الرئاسة وعدم اطلاق يد الرئيس بالعبث في البلاد، وكل ما تقتضيه الانظمة الجمهورية.
ولقد حافظت الجمهورية اللبنانية على تميزها ذاك ـ رغم ما كان يشوبها من طائفية ـ حتى اشتعال حربها عام 1975 والتي أشعلها الفلسطينيون ودمرت لبنان معنى ومبنى، أي أنها هدمت لبنان في انفراديته ونظامه السياسي مثلما هدمت بناياته وعماراته وقتلت ناسه، فحادت الجمهورية الوحيدة والنظيفة عن المسار الجمهوري لتصير أضعف الجمهوريات العربية وربما أسوأها من حيث عدم الاستقلالية وكثرة التدخلات الخارجية واضمحلال القرار الوطني، وليتم تنصيب رئيس الجمهورية بقرار خارجي ويكتب مرسوم تنصيبه بحبر ليس لبنانيا!
وبذلك فقدت الجمهورية الوحيدة تميزها ومكانها، فبعد أن كانت تقف في رأس الصف الجمهوري العربي، باتت تقف في آخره!
الجمهوريات العربية قاطبة ـ لا استثناء بينها ـ جمهوريات ثورية قامت على النهج الثوري، والنهج الثوري له وجهان، تدميري واصلاحي، وليس من جمهورية عربية واحدة اختارت الوجه الثوري الاصلاحي، بل هي جميعا نهجت النهج التدميري، فيما عدا اليمن التي كانت تشكو أساسا من النظام الإمامي المتخلف والتي تحولت الى جمهورية خرجت معها البلاد من القبو المظلم لتأخذ مكانها تحت الشمس، ولا يعني هذا أنها جمهورية صحيحة، والدليل خضوعها لحكم رجل واحد لمدة زادت على اثنين وثلاثين عاما.
وميزة النظام الجمهوري هي تداول السلطة بين الناس والاحزاب وتقييد المدد الرئاسية وخضوع الرئيس للمراقبة والمساءلة ـ ولعلنا نذكر ما تعرض له الرئيس الاميركي بيل كلينتون من محاكمة علنية بسبب قضية جنسية ـ يحدث هذا وهو في منصبه وليس بعد خروجه من الحكم.
أما العرب ـ مع الاسف ـ فقد حولوا فكرة الجمهورية الى أمر آخر، تشبث بالسلطة وديكتاتورية ونظام قمعي، السلطة فيه للقبضة البوليسية الحديدية لا للأمة، نظام الشخص الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد والكلمة الواحدة والفكر الواحد، ومن يشذ عن هذا القطيع يكن عميلا وأجيرا وامبرياليا وصهيونيا!
الرؤساء العرب حولوا جمهورياتهم الى كنوز وأموال ـ أكثر من أن نصفها بالطائلة ـ أموال لو اجتمعت عليها نيران الارض جميعا ما استطاعت حرقها كلها.
رؤساء حولوا أنفسهم أباطرة وملوكا وزوجاتهم ملكات متوجات وأبناءهم أمراء يسير الشعب كله لخدمتهم ونيل رضاهم!
أليست غريبة ـ مثلا ـ مغامرات أبناء «الثوري الاكبر» القذافي وما يفعلونه من فضائح في أوروبا، ولتتحدد علاقات ليبيا مع الدولة الاوروبية التي ارتكب فيها ابن القذافي جريمته بناء على تشدد أو تسامح تلك الدولة معه؟!
أوليس غريبا أن يتباهى القذافي بأنه يحكم منذ اثنين وأربعين عاما؟! وأن أقل الرؤساء العرب حكما، هو من حكم قبل أحد عشر عاما فقط؟ وأن حسني مبارك لم يكتف بثلاثين سنة وكان يريد التجديد، ولكن المصريين ـ سامحهم الله ـ ناكفوه ولم يسمحوا له بذلك، ولا حتى سمحوا لابنه بخلافته؟!
حرام، ليه بس كده؟!
[email protected]