ليس من أحد بالتأكيد يكره الحراك الايجابي والذي هو دلالة على فاعلية أبناء المجتمع وحيويتهم وحرصهم على تطوير مجتمعهم ودمجه بروح العصر حتى لا يكون مجتمعا متخلفا يبتعد بهم عن طموحاتهم ويشعرهم بالنقيصة اذا ما تمت مقارنتهم بالمجتمعات الاخرى.
فحين يصاب المجتمع بالتوقف عند حد معين او يتخلف، يتململ أهله ويحسون بأوجاع التراجع، ما يدفعهم الى التحرك لتجديد دماء مجتمعهم واللحاق بركب العصر وللاستفادة مما وصلت اليه المجتمعات الاخرى.
ونحن في الكويت شأننا شأن تلك المجتمعات نتأثر ونتفاعل مع المستجدات ولدينا قدرة على الاحساس بأمراض المجتمعات، وهذا أمر ليس جديدا أو طارئا علينا كمجتمع كويتي فقد كنا ننهض في الكثير من القضايا ونتفاعل معها حتى وان كانت قضايا خارجية لا تتصل بنا بشكل مباشر.
وانني أصغّر الصورة وأضغطها على المشهد المحلي الراهن المتمثل بوقوف عناصر ـ ناشدة التغيير ـ في الساحات العامة للتعبير عن مطالبها، لاشير بأصابع الرفض الى ما يشوبها من تشويه وعبث ونزق صبياني لا ترقى معه الحالة لان تكون حالة تعبير سياسي عن مآزق يمر بها البلد أو أنها تنطوي على مطالبات اصلاحية.
ان المشكلة تكمن بالدرجة الاولى في غياب المنهجية الفكرية واضطراب الاولويات عند المتداعين الى الساحات الكثير عددها والقليل مرتادوها، فليست هناك جدية في مطالب التغيير المنشود ولا ادراك لما ينبغي أن يكون عليه حال المجتمع المثالي الذي تسعى الى تحقيقه الجموع الصادقة وغير الاستعراضية والراغبة في التغيير الحقيقي والثمين والذي يساعد على اقالة عثرات بلادنا، وأنا بكل شرف أنتمي الى هذه الطبقة الصامتة وغير الباحثة عن جزاء سوقي أو استعراض أجوف كما هو جار الآن في تلك الساحات التي يفوق عددها عدتها البشرية، وهذه الجموع هي التي تمثل الاغلبية الصامتة والتي تسكت ـ بإباء ـ على آلامها، ولا تفعل فعلها ولا تقول قولها الا حينما تكون الساحة مهيأة لذلك ومحتشدة بالتغييريين الحقيقيين الذين يأتون بعدما تتلاشى تلك الفقاعات المعبأة بالهواء والتي هي كالزبد الذي يعلو الحليب المغلي والذي يذهب بالنفخ أو بعد دقائق الانتظار القليلة.
في ساحة من تلك الساحات الفارغة سمعت متحدثا يتحدث عن مليارات خطة التنمية الستة والثلاثين والتي قال انها غدت كلها في جيب «فلان» وسماه!
حينما يسمع عاقل مثل هذا الكلام المرشوش بكثير من البلاهة يدرك أن سادة تلك الساحات في حاجة الى تأهيل، لان السيد المتحدث يظن أن هذه المليارات الستة والثلاثين مرصوصة على رف وجيء بها لتلقى في حضن «فلان» المذكور أعلاه والمتهم ـ حسب صاحبنا المتحدث ـ بأنها باتت في جيبه، ولا يدري أنها موزعة على سنين خمس ومجزأة وليست كلها كتلة واحدة!
مثل هذا الطرح الساذج والابله يجعل الصادقين والمؤمنين يجفلون وينأون بأنفسهم عن مشاركة «الزرازير»، «وصوصاتهم» المزعجة وينتظرون تحويم الصقور لينخرطوا في سربها، لان الصقور تأنف من مخالطة الزرازير!
[email protected]