صالح الشايجي
من ينفخ في الرمل، ظنا أنه ينفخ في رماد يريد إحياء النار تحته، هو بلا شك غير قاصد خيرا، بل يتقصد الشر حتى وإن خلت من يديه أو من أمامه مكونات ذلك الشر! فالنفخ في الرمل لن يشعل نارا!
ذلك ما أتصوره وانا أقرأ ما حملته أخبار صحف أمس وأول من أمس، عن حادث الاعتداء على بعض المكتبات المتخصصة في الكتب الدينية، حيث توجهت ظنون الصحف وربما رجال الأمن أيضا الى «المتهم» على اعتبار أنه منتم للطائفة الأخرى!
أعتقد ان السير في هذا الاتجاه وتصويب سهام الاتهام الى ان الفاعل ينتمي الى تلك «الطائفة» هو مثل النفخ في الرمل لإشعال نار لا أصل لها تحت الرمل بل هي مخبوءة تحت الرماد والرماد بعيد.
ثم ان حصر الظنون في فئة معينة قد يصرف الاهتمام عن معرفة الفاعل الحقيقي الذي قد لا يكون منتميا لتلك الطائفة أو الفئة، وبذلك هو مطمئن لأن الأنظار منصرفة عنه، وتبحث في مكان آخر.
القاعدة الجنائية تقول: عند اقتفاء أثر أي جريمة، ابحث عن المستفيد من تلك الجريمة، وهي قاعدة تحدد وتحصر المشتبه بهم حتى يتم الاستدلال على الفاعل الحقيقي، وبناء على هذه القاعدة التي يعرفها رجال الأمن أكثر من غيرهم وعلى ضوئها يمارسون أعمالهم الاستدلالية، فإنه يجب تطبيقها على الجريمة التي نتحدث عنها، حيث ان المناوئين أو الرافضين لتلك الأفكار التي تحملها تلك الكتب في المكتبات التي تم التعدي عليها، هم كثر ومن فئات وطوائف فكرية وعقائدية مختلفة، وليست محصورة فقط بفئة معينة أو طائفة معينة.
قد يكون الفاعلون هم من حملة الفكر الإلحادي أو الليبرالي أو اليساري أو الوطني، والذين يرون في ترويج مثل هذه الكتب بما تحمله من أفكار، مخالفات لأفكارهم أو انها حواجز تعيق مسيرة البلاد والفكر الانفتاحي فيها، وقد يتطرف البعض منهم ليناصب مثل تلك الأفكار والكتب العداء الكامل ويرى ان قضيته في محاربتها باليد بعدما عجز اللسان وجف وهو يرى ان البلاد مأسورة الى ذلك الفكر وضحية له.
إن الإرهاب لا دين له، فلقد كان يساريا، ثم تحول إسلاميا ليضحي «بن لادن» رمزه وليؤطره بخطاب ديني لا يبقي
ولا يذر، يهدد بالفناء لكل من لا ينضوي تحت عباءته أو يحمل رايته، وفي المقابل يبقى هناك احتمال ان ينشأ فكر متطرف في المقابل نقيض لخطاب «بن لادن» الديني!
فلماذا استبعاد هذا الاحتمال، ونحن نرى كم التذمر والتشنج ضد هيمنة الفكر الديني الضاغط واستسلام الدولة له؟ وتوجيه الاتهام الى طائفة معينة وكأننا بذلك نحاول نفخ الرمل من أجل إشعال نار الفتنة المتوهمة؟!