صالح الشايجي
أعشق الكتابة لذاتها، ولا اطرح نفسي مفكرا أو ذا مشروع تغييري أو إصلاحي، ولا أحمّل كتاباتي أكثر مما تحتمل!
الكتابة كفعل أدبي، تحمل كامل المتعة اذا ما أتقنت وتجانست واحتوت على تراكيب وتشكيلات وصور وأخيلة ابداعية، مثل اللوحة التي لا تهدف الى شيء سوى تزيين ما تقع عليه البصيرة وتنثر الجمال في أعين رائيها.
هذه - أو أزعم أن هذه - هي الكتابة التي يجب ان ينتمي اليها الكتاب كلهم، فلا يأخذنّ الغرور بعضهم من الذين يخطون خطا هادفين الى نسف الواقع وتغييره واعتماد اصلاحاتهم بديلا عنه!
لقد أفسدت الصحافة الكتابة الفنية، أو هي ساهمت في ذلك جزئيا، حيث ان دور الصحيفة خبري موضوعي عملي تحليلي وليست دار ندوة او منبر شعر او فسحة لسياحة الكلمات ونثر عسجدها وذهبها وفرش دمقسها وحريرها، وليس من دور الصحيفة نحت الكلام وسكب العبارة وترشيق الوزن وترشيد القافية، والدخول في الجناس والطباق! ولا هي درس لغوي للـ «مفعول لأجله» و«نائب الفاعل» و«نصب المفعول» وما الى ذلك!
ان الصحيفة صبية تتزين بما في السوق من بضاعة حاضرة ولا تبحث عن زينتها في السوق السوداء ولا في سوق الوراقين وسوق عكاظ او «المربد»! لا تستطيع الصحيفة ان تكون حصانا يركبه «ابوالأسود الدؤلي» ولا «امرؤ القيس»، ولن تقرأ «طبقات الشعراء» ولن تطبقها! لا تقدر ان تكون مخمرة برداء مغبرّ كامل السواد وبعينين مكحلتين دعجاوين كأنهما ساكنتان كهفا بلا رعية.
ولكن هذا كله لا يعفي الكاتب الصحافي من المجانسة بين ما هو مطلوب صحافيا وما هو مطلوب فنيا، فليس كل كاتب صحافي يجب ان يكون أديبا، ولا ان يثقل افكاره الحضرية المدنية بأثقال الادب، ولكن في الوقت ذاته ليس مطلوبا أن يجرد الكتابة من كامل ثيابها لتخرج الى الملأ عارية او مولودة مسخا لا تنتمي الى رحم
ولا تنتسب الى نطفة!
لقد كتب - صحافيا - طه حسين والعقاد والمازني ونزار قباني، وغاصوا في احوال الأمة وقضاياها الحاضرة وجانسوا بين قاماتهم الادبية ومتطلبات الكتابة الصحافية، وهذا ما يجب ان يكون.