صالح الشايجي
مقولة «إن الديموقراطية تصلح نفسها» أثبتت خطأها، أو على الأقل عندنا، ومن خلال تجربتنا البرلمانية.
لقد بدأت ديموقراطيتنا قبل خمسة عقود من الزمن، ولا نقول بدأت مكتملة ولكنها على الأقل كانت مساحة الاكتمال فيها أكبر من مساحة القصور، تمثل ذلك في كثير من المظاهر منها على سبيل المثال من تصدوا للترشيح والذين كان أغلبهم من النخبة سواء الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو المالية وما إلى ذلك، وممن لديهم صيت ورصيد، ولم يأتوا من المجهول، وكان تاريخهم وسيلة وصولهم الى البرلمان.
ولقد اجتهد هؤلاء في أن يتقنوا العمل البرلماني ما استطاعوا، وكانوا يتواضعون حين يشكل عليهم أمر من الأمور، ولم يكونوا يتورعون من استشارة «الخبير الدستوري» لمعرفة مدى مواءمة الطرح البرلماني لنصوص الدستور. وللتدليل على حسن نية أولئك البرلمانيين المؤسسين، فلقد روى أحدهم انه ترك وظيفته الحكومية وترشح للبرلمان رغم ان «راتب» البرلمان كان أقل من راتبه الوظيفي، ولم يكن هذا الرجل طامعا في تكوين ثروة من خلال البرلمان، ومازال حتى يومنا هذا حيا دون ان تمسه شبهة تنفّع أو تشوبه شائبة، بل ان البرلمان آنذاك لم يكن محط الطامعين والحالمين بالثروات.
لا أقول ان عملنا البرلماني في بدايته كان مكتملا، بل كان يشوبه بعض القصور، وربما للتدليل على ذلك أسوق قانون «الخمور» الذي قرره المجلس الأول في حياة المرحوم الشيخ «عبدالله السالم» والذي رفض القانون وردّه، ولكن المجلس تمكن من حصد الأصوات الكافية لإقراره! وفي هذا القانون - برأي بعض الدستوريين - شائبة دستورية!
ولكن إذا ما قارنا أداء المجالس البرلمانية الأولى حتى الثالث منها، بالأداء البرلماني في مرحلته الثانية والتي امتدت من 1981 حتى 1986، نكتشف الفرق الشاسع بين الأداءين ويظهر لنا الفرق واضحا من حيث الالتزام بالدستور والدقة في احترام نصوصه، ففي المرحلة الثانية ابتدأ الأداء البرلماني بالهبوط السريع، وتقلصت مساحة الاكتمال وزادت مساحة القصور.
أما في المرحلة الثالثة والتي ابتدأت من 1992 وحتى الان، فقد خرج البرلمان من ملته ووضع الدستور على الرف، وساء كثيرا الأداء البرلماني ليبلغ مرحلة السوء، وكل مجلس يأتي يكون أسوأ من سابقه! حتى بلغ أمر السوء مداه الآن في مجلسنا الحالي باستحضار «المفتي»، أو «أهل الفتاوى»، وجعله محل الدستور!
هذا فضلا عن الكثير من المثالب والشوائب التي تكتنف العملية الديموقراطية من حيث دخول الواسطة و«المال السياسي» و«القبلية» وتدني مستوى النواب وكفاءاتهم وحَرف العملية الديموقراطية عن مسارها الحقيقي!