صالح الشايجي
ثمة استدلالات واستقراءات ومؤشرات تدل على نفسيات الشعوب وطرائق تفكيرها وأزماتها، وبقراءة تلك المؤشرات وتحليلها يستطيع المحللون النفسيون والاجتماعيون التوصل الى حقيقة تلك الشعوب.
ولعل نشرة «فوربس» الأخيرة والخاصة بالثروات الضخمة التي يحققها «الدعاة الجدد» هي أحد تلك المؤشرات التي لابد من خضوعها للتحليل، للتوصل الى حقيقة الوضع النفسي للمجتمعات العربية.
لاشك في ان تلك المؤشرات تدلل وتشير الى خطورة الازمة التي وقعت فيها الشعوب العربية، فأن يكون مثل أولئك «الدعاة» الصغار صفوة «أهل الرأي والفكر» والمنزلة الرفيعة عند شعب ما، فهذا دليل ازمة فكرية واضحة المعالم، وتدل على ان ذلك الشعب استسهل الحياة كثيرا وتخلى عن دوره في البناء الإنساني لينصرف الى ما يقوله اولئك «الدعاة» الذين يخلو خطابهم من كل معنى فكري وتسيطر عليه الخرافة وقصص التسالي او الترهيب وليّ أعناق الحقيقة، وتحسيس المستمعين بانتهاء دورهم في الحياة، وأنهم - أولئك الدعاة - هم الذين نابوا عنهم في الحياة وتكفلوا عنهم بالتفكير ورسم سبل الحياة الصحيحة، وانهم هم اهل الثقة.
إن تذويب الناس وتفتيتهم وسحق مناطق التفكير في عقولهم وتحويلهم الى إمّعات رخيصة تسمع وتستجيب وتنقاد وتنجذب الى وهج «الداعية» ذوبانا فيما يقول، هو أخطر ما تتعرض له تلك المجاميع البشرية العربية المسلمة، وهو الهدف الذي يسعى اليه اولئك الدعاة بإخراج تلك المجاميع من دائرة التفكير والفعل والمنطق، فضلا عن افشاء السذاجة بينهم وسيطرة الفعل المقدّر الذي لا راد له عليهم.
وهذا هو فعل المدعين الذين يتلخص فعلهم بالسيطرة على ضحاياهم من اجل ضمان انقيادهم وخضوعهم الكامل لهم وسلب ارادتهم تماما، اما اخطر ما في الأمر، فهو استغلال «الدين» لممارسة ذلك الخداع المحرّم، فلقد عرف أولئك المدعون المسمون «دعاة» ما للدين من سيطرة على عقول العامة، فاستغلوه على غير وجهه الصحيح، وسمحوا لأنفسهم بتحميله ما لا يحتمل من خرافات وخزعبلات، لا بقصد تثبيت الدين في نفوس سامعيهم، ولكن بقصد استخدام الدين كسلاح في ايديهم لتخويف ضحاياهم وضمان انقيادهم لهم.
إن مسؤولية الحكومات واضحة تمام الوضوح في تلك الجريمة، لأنها تعمدت استبعاد العناصر الفكرية ومنابع الثقافة البناءة عن شعوبها، من اجل ضمان السيطرة، على اعتبار ان الشعوب المفكرة تشكل خطرا عليها، وان اسهل الشعوب انقيادا هي التي لا تفكر، لذلك «ابتكرت» هؤلاء «الدعاة».