صالح الشايجي
أكتب بيد مرتجفة، فلا أستطيع وضع الحروف في مواضعها الصحيحة، فتتراكب الحروف فوق بعضها وتتداخل، وتضحي الكلمات ألغازا و«لوغاريتمات» وطلاسم وكأنني مشعوذ أكتب وصفة سحرية لعاقر أو لمخبول أو لمن تركها بعلها طريحة القهر والهجران وامتطى صهوة غزال مغناج شطاحة نطاحة تتقافز ويتقافز قلبه معها، لأعيد لها البعل الغادر المغادر فراش الزوجية القديم ليطارح الغزال الغرام بعيدا عن العيون المتلصصة، أو لتفك العاقر منقوع كلامي وتشربه بماء الزهر والزعفران، أو لأهدئ جنوح ذلك المخبول فيركن الى الهدوء ويعود الى جادة الصواب!
هكذا جعلني البرد وهكذا صيرني، حتى ان عظامي بدت وكأنها بلا شحم يسترها أو لحم يكسوها فبان عريها وجابهت الهواء عزلاء بلا شحم ولا لحم، حتى ان تلك الأردية الثقيلة الكثيرة المتطابقة فوق بعضها غدت وكأنها بضاعة مغشوشة، ضربت في «الصين» وحيكت في «تايوان» ما أفقدها مفعولها في حماية الجسم من غائلة البرد القاتل!
ألجأ في ذلك الحال الى الاستعانة بالتدفئة الاصطناعية، فاستعنت بالمدفأة الكهربائية المثبت لي أنها لا تبث الدفء لأنها بلا قلب، وهي ليست كحطب «قيس» الذي جاء يطلبه من محبوبته «ليلى» «فأشعل في البيت نارا»، فكان قلبه والحطب أكثر دفئا واتقادا من تلك المدفأة التي تسحب «التيار الكهربائي» في زمن «الترشيد» دون أن تمنح الدفء المطلوب منها! إنها مدفأة بلا ضمير أيضا، لم ترحم جسدي العليل بالبرد الممض، ولم ترحم حكومتنا «الرشيدة» التي أنفقت من حر مالنا عشرة ملايين دينار من أجل «الترشيد» الذي طلبته منا ذات صيف لاهب ونار وسعير حتى نخفف من غلواء مكيفاتنا ومبرداتنا التي تسحب الكهرباء، بلا هوادة ولا رحمة للمولدات الكهربائية التي عفى عليها زمن زمين منذ زمن وطالتها أيدي الاهمال والمهملين، ليفاجئها الشتاء بزمهريره الذي جمّد الدموع في مآقيها والذي دفع الخلق الى الاستعانة بالمدافئ الكهربائية لتولول الحكومة من جديد «الترشيد.. الترشيد»!
لا تقرأوا ما كتبت كما هو بل غيّروا مواضع حروف الكلمات، وأعيدوا قراءتها، لأن البرد حرّف الكلم وغيّر مواضع الحروف لتأتي المقالة على مثل هذه الصورة التي قرأتموها!