صالح الشايجي
ليس البعد عن الوطن هو بعد الجسد، بل ابتعاد الروح عنه هو البعد الحقيقي، وفي ذلك فقد يكون بعيدا عن وطنه من يسكن فيه، ينام ويأكل ويعمل ويزاول دوره الحياتي، يرى الناس ويدخل الاسواق، يشتري ويبيع، يربح ويخسر!
وقد يكون قريبا من وطنه، من حل بعيدا عنه وحلّق في الآفاق واستقر في مكان ناء، ولكن الوطن بـ «حلوه ومره» لم يفارقه لحظة، حتى وإن لم ير ناسه أو يحدّث أهله أو يدخل اسواقه، أو يذرع شوارعه جيئة وذهابا، وغدوا ورواحا!
وصديقي عبدالرحمن الهادي، الذي تجمعني به صداقة أنافت على الاربعين عاما، وهو احد اقطاب الاذاعة الكويتية في بدء عمرها الثاني، أواخر خمسينيات القرن المنصرم وبداية ستينياته، والذي ترأس المركز الاعلامي الكويتي في القاهرة ثم مكتب «بيت الزكاة» في العاصمة المصرية، والذي أبلى بلاء حسنا فيما اسند اليه من اعمال، ونال شهادات وثناءات مِن كل من تعامل معه، والذي رهن كل ما حققه من علاقات وصداقات بحكم عمله لصالح الكويت - هذا الرجل «عبدالرحمن الهادي» هو من النوع الثاني، فرغم أنه يعيش في القاهرة منذ عام 1990 بشكل مستمر ومتواصل، فإن الكويت لا تفارقه لحظة واحدة، وبنى برنامجه اليومي على ايقاع الكويت، يصحو على صوت مؤذنها، ويكاد يقرأ صحفها كلها بشكل يومي متابعا كل ما يكتب فيها، يضبط مواعيده على ضوء نشرات الأخبار في تلفزيونات الكويت الخاصة منها والعامة، حتى نشرة الوفيات لا يفوّتها، يسعد إن سعدت الكويت، وينفطر قلبه لو أن مسّا مسها!
إن وطنك معك تحمله في قلبك أينما تكن وأينما تحل، فالوطن ليس جغرافيا وحدودا وأرضا وسماء - فقط - بل هو أكبر من ذلك كثيرا، هو كيان شفاف تحمله في قلبك - إن كنت تحبه فعلا - مهما بعدت عنه ونأيت، وإن لم يكن في قلبك، فأنت بعيد عنه وهو بعيد عنك، حتى وإن كنت تعيش فوق أرضه وتحت سمائه!