صالح الشايجي
كان الحنين كبيرا لقلم لا يشي قليلا بمكنوناته، اكثر من الحنين لوطن اضاع جادة الصواب وسار يتعثر ومعه القلب ينفطر ويتكسر.
أرى الازدحام في وطني صفوفا بشرية متراكمة فوق بعضها على ابواب مغلقة، تقرع فلا من مجيب.
أبحث عن اجابة لفراغ هذه الصفوف المتراصة، وما الذي دفعها للوقوف امام تلك الابواب المغلقة، فلا ينطق احد من تلك الصفوف باجابة او شبه اجابة!
الكل واهمون، يحلبون القدر أو هم يتوهمون ذلك، يتوهمون ان للقدر ضروعا يجدي حلبها، ولكن القدر يجيب: لا ضروع ولا ضلوع، فكفوا ايديكم عن الوهن فيما انتم تستدرّون!
لا تسع الحفر الكثيرة ولا الأخاديد ولا الأنفاق ولا الكهوف، كل ذلك التردي والتهاوي والخطايا المتناسلة لوطن كان بلا خطيئة.
صار الوطن حائطا اصم، كلٌّ يبني عليه خطاياه ويأتي صباحا يحميها من تلصص غيره! حتى الخطايا صارت احتكارا، وأضحت محلا للغيرة والاستئثار بها وبذل الغالي والنفيس في سبيل حمايتها والابقاء على اضوائها لمّاعة براقة كاشفة عورات حاميها ومرتكبها!
يتجمعون حول ما في الهواء من فراغ ليسدّوه، ذلك كل ما يفعلون، لا ارى طبيبا ينكبّ على «ابوقراط»، ولا مهندسا دار حول «مثلثه» و«فرجاره» وضم الخارطة الى صدره، ولا محاميا ينقي ضميره كل صباح وعشية، ولا فنانا يغني الجديد ويهدم الفكر المتعطر باثم الماضي، ولا نحاتا يقرع بإزميله صميم الصخر الاصم فينطقه، ولا عالما يختلف الى مكتبته يزين عقله ببعض لوثات العلماء!
كل ذلك لا اراه ولا احسه في وطن جيّره اهله للعَدْو في ساحات فضاء، والركض في اودية لا زرع فيها، وليس فيها سوى الصدى!
كم يا وطني اكاد اتبرأ منك، ومن الناس الذين اختطفوك من صدورنا وجعلوك تحت أقدامهم وفي اصواتهم! الباكون عليك اعدهم واحصيهم، اما المصطفّون في صفوف الوهم فهم كثر كـ «غثاء السيل»!