صالح الشايجي
يُجمع أكثر الكويتيين من المهتمين بالشأن العام، ومن نستطيع ان نطلق عليهم صفة «مخضرمين» وهم الذين عاشوا قبل «الديموقراطية» وبعدها، وحتى الذين عاشوا سنوات حل مجلس الامة في 1976 و1986، على ان البلاد دون ديموقراطية افضل!
وطبعا معنى «الديموقراطية» هنا ليس مطلقا، بل انه محدد بـ«الديموقراطية» الكويتية، وهو ما نستطيع تسميته «الديموقراطية الرجعية» او «ديكتاتورية الاقلية»!
الديموقراطية - كما هو معروف - معنى مطلق للحرية والبناء والعدل والمساواة، وهي المعاني كلها التي كانت متحققة في كويت ما قبل الاستقلال او ما قبل «الديموقراطية»! اما الكويت بعدما اخذت بالنظام البرلماني غير المرشد والمطلق الصلاحيات، فقد هدمت تلك المعاني كلها ونقضت اسس العدل الذي لا يمكن المجتمع ان يقوم دون ارسائه، وهذا ما ادى الى تراجع الكويت وتخلفها عن اقل الدول المحيطة وحتى بعض القصية، في ميزان الحريات والعدل.
لو تصفحنا وريقات «ديموقراطيتنا» لاكتشفنا ان عددا محدودا جدا من ابناء الشعب الكويتي لا يزيدون على المئات القليلة، هم الذين تداولوا الكرسي البرلماني، فهناك من دخل البرلمان كعضو مشرّع ومراقب فيه لمدة خمس دورات او يزيد، ما يعني احتكار العمل التشريعي وتداوله بين عدد محدود من الناس، هم الذين لهم الحق في فرض آرائهم وسطوتهم على بقية افراد الشعب! والغريب ان هؤلاء المتكرري الدخول الى البرلمان، هم اكثر الناس في حديثهم دفاعا عن «العدل والمساواة»، رغم انهم يستميتون ويضحّون بالغالي والنفيس ويدفعون ما يدفعون في سبيل نجاحهم وعودتهم للبرلمان، مغلقين الباب بذلك امام الدماء الجديدة والتي ربما تتاح لها الفرصة لإصلاح ما خربته ضمائر اولئك النواب التقليديين والذين اكسبهم الوقت وتكرار العضوية الاحساس بملكيتهم للبرلمان، وانهم خلقوا له وخلق لأجلهم، وان بقية عباد الله من الكويتيين هم شلل فساد ومصالح وتخريب للديموقراطية، وان سيف حماية «الديموقراطية» معلق في اوساطهم، فهم يشهرونه حين يريدون ويغمدونه متى ما احسوا ان مصالحهم في أمان.
هؤلاء يراهنون على غياب الوعي الكويتي وسذاجته، ولكن الاغلبية الكويتية الصامتة تسرب اليها اليأس وتفهمت الواقع الجديد بما يحمله من سوء بسبب وجود البرلمان او احتكاره من قبل بعض اولئك الافراد المحبين للسلطة والبروز والمال والجاه والذين انتشلتهم الحياة البرلمانية من الارصفة والازقة والضياع والمجهول، لتجعلهم في الصفوف الاولى في المجتمع، سلطة ومالا وسطوة!
ان الكويتيين اذ يقاطعون انتخاباتهم البرلمانية فإنما يؤكدون وطنيتهم وحبهم لوطنهم وللحرية وللديموقراطية الحقيقية التي تهفو اليها نفوسهم!