صالح الشايجي
لا يغرنّك مدّعٍ ورعا فتصدقه، فإن الأفاقين والنصابين والمحتالين، هم على درجة كبيرة بل فائقة من الذكاء وضبط النفس والثقافة أيضا والاطلاع والعلم بمجريات الأمور، بواطنها وظواهرها.
وكم من مدع أبهر الناس في سمته التقيّ الورع وقدرته على رسم صورة تمثيلية كاملة لرجل الدين الطاهر النقي الحافظ للقرآن والعالم بما جاء في آياته البينات والملتزم بأوامر الدين ونواهيه، وبعد ذلك يتضح أنه أفاق دجّال، حصد الملايين من مريديه الفقراء وهرب بها وطار بغير جناح الى حيث الهوى وحضيض النفس ومتع زائلة من دنيا زائلة، كان هو المحذر منها والناهي عنها مريديه وأتباعه والمتبركين بالتمسح به وتقبيل يديه ولو طالوا قدميه لأشبعوهما تقبيلا!
كان ينهاهم عن دنيا زائلة زائفة تغر صاحبها وتبدي له غير ما تبطن له من شر يقذف به في جوف النار فتلتهمه، فيقول يا ليتني ما فعلت بدنياي هذا وذاك من الشرور والموبقات! فيأيها القوم المؤمنون الصالحون إن دينكم أحق بأموالكم من دنياكم، فأتوني بالفائض من أموالكم بعد أخذ ما يسد رمقكم ويوفر قوت يومكم لكم ولعيالكم، حتى تساعدوا إخوانكم العراة الجياع الذين يفترس الجوع أمعاءهم ويكسّر العطش أوردتهم وشرايينهم تكسيرا! ثم تداهم الشيخ الجليل نوبة بكاء ونشيج فلا يقدر على إكمال خطبته وقد لاحت أمام عينيه صور الجياع والعطشى والعراة المسلمين! ولم يستطع إلا نطق عبارة واحدة في ختام خطبته الباكية المتوجّدة فنطق بالعبارة السديدة: ولقد أعددنا صندوقا لتلقي تبرعاتكم ومساعداتكم!
وما هي إلا أيام حتى امتلأ الصندوق وفاض والبنك يتلقى والرصيد يتضخم وكله باسم فضيلة الشيخ وما هي إلا أيام بعدها حتى تبخّر الشيخ وذاب كما الملح! أين الشيخ تساءل القوم المريدون لفضيلته حتى جاءهم النبأ اليقين: الشيخ افتتح ناديا للقمار في احدى الجزر البعيدة!