صالح الشايجي
حينما يتحدث أحدنا عن سوء الواقع الثقافي في البلاد وبين عموم الناس، فإن القصد ليس محصورا في المساحة الإبداعية الضيقة، عند المبدعين الثقافيين شعراء كانوا أو روائيين أو نقادا أو نحاتين أو..الخ، بل ان القصد أشمل من ذلك وأعم ويغطي جميع من تدب قدماه على هذه الأرض وله لسان وعين وشفتان.
المقصود هم الناس كلهم.
ذلك ان المقصود بالثقافة هو السلوك البشري، فبقدر ما يكون هذا السلوك حديثا ومواكبا لعصره وملبيا لمتطلبات الحياة ومبادرا ويقيم الاحترام للقوانين ويلتزم بها، وبقدر ما يكون عونا للآخرين ومشاركا في الشؤون العامة، بقدر ذلك تتحدد ثقافة المجتمع.
أي ان الثقافة وعي وتفاعل وتلبية لمتطلبات حياتية وديون واجبة السداد.
ولكن كيف نشيع هذه الثقافة؟ وكيف نؤمّن شعبا أو مجتمعا مثقفا؟! لا شك في ان كل مجتمع أو تكون بشري لا يخلو من قيادات خلاقة تتمتع بصفة القيادة بما فيها من قدرة على التأثير في الناس وجذبهم وإملاء المواصفات الواجبة في الفرد المثقف عليهم، وتلك القيادات هي ما يسمى الآن بـ «المجتمع المدني» وبقدر ما يكون المجتمع المدني ناشطا في مجتمع من المجتمعات تتوافر الثقافة الانضباطية عند هذا الشعب.
في الدول الحزبية الشمولية ذات الحكم الحزبي الواحد، يقوم هذا الحزب بدور المجتمع المدني، وبالتالي فإن الشعوب الخاضعة لمثل هذا النوع من الحكم، هي الشعوب الأكثر انضباطية وتقيدا في القوانين، نظرا لقسوة العقاب وتفشي السلطة البوليسية فيها، ما يدفع الخوف الى قلوب الناس فيضطرون للتقيد بالقوانين وبالتالي تكون لهم - تقريبا - سويّة ثقافية واحدة، تتدانى أو تتناءى في مواضع معينة، ولكن يظل هناك ناظم ينظمهم جميعا.
هذا ليس تزكية للديكتاتورية، ولكن المراد هو إطلاق يد المجتمع المدني في النظم الديموقراطية أو شبه الديموقراطية، حتى تتحقق الثقافة المطوّرة والمطلوبة لتنمية الشعوب.