صالح الشايجي
حينما قرأت رواية «1984» لـ «جورج أورويل» داخلني كثير من الخوف والاحساس بالاشمئزاز والكآبة، لما انطوت عليه أحداث الرواية من قتامة وبشاعة، وسحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى مجرد جسد معذب بلا روح.
الرواية نسجها مؤلفها على منوال الخيال القريب من الواقع، حيث تصور «لندن» وقد تحولت الى «الشيوعية» أو تحت الحكم الشمولي والاستبدادي، وراح على هذا المنوال ينسج خيوط روايته وأحداثها السوداء.
ولكنني فوجئت عندما قرأت كتاب «كنت شيوعيا» وهو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب في جريدة الحرية البغدادية عام 1959، ويحكي فيها بمرارة أهوال الشيوعيين وما عملوه في العراق، ويفضح زيفهم وادعاءاتهم وجبنهم وخستهم ومؤامراتهم الدنيئة ووضاعة معادنهم، وهو اذ يحكي ذاك ويرويه فهو «شاهد من أهلها» بحكم كونه شيوعيا سابقا، وكلامه مدعّم ولا يتورع عن ذكر بعض اسمائهم في حوادث معينة يندى لها جبين المرء ويصيبه الغثيان!
أما ما فاجأني به «السياب» فهو استشهاده بالرواية ذاتها «1984» لـ «جورج أورويل» ويقول «السياب» والذي لخص أجزاء من الرواية وعرضها: ان جورج أورويل لو كان عاش في العراق ورأى ما فعله الشيوعيون لنسف روايته ليكتب رواية أكثر دموية وبشاعة مما حوته أحداث روايته بأحداثها المتخيلة، أو صوّر أحداث الرواية قياسا بالمشهد العراقي الحقيقي، بأنها «نوع من الفاكهة والحلوى»!
ماذا يحـدث الآن فــي وقتــنا الحــاضر؟ لقد اندحر الشيوعيون وولّوا، ولكــن أليس ما تفعله بعض الأحزاب والمنظمات والجماعات الإسلامية، مثل «القاعدة» و«حماس» والكثير الكثير ممن - مع الأسف - يدّعون كذبا حمل لواء الإسلام ورفع رايته، هو أشد فظاعة مما كان الشيوعيون يفعلونه؟! أليست تلك الجــرائم اليــومية المتــتالية فــي العــراق أو باكســتان أو أفغانستــان، والــتي يقوم بها «الإسلاميون» الكاذبون، هي أشد فتكا وحصدا للأرواح مما حصدته مناجل الشيوعيين؟ هل نسينا السيوف التي تحز رؤوس الأبرياء وأمام الكاميرات، وفي خلفية المشهد لوحة تحمل آيات قرآنية أو عبارات إسلامية، ويظهر ملثم يتحدث بلغة الإسلام وقرآنه وحديثه، ثم يقوم وبلا أدنى ضمير بحز رأس الأسير المسكين؟!
إن كان الشيوعيون يعلنون كفرهم وإلحادهم وماديتهم، ولا يخفون ذلك، بل هو أس عقيدتهم، فإن مصيبتنا مع «الإسلاميين» أنهم يزجون بالإسلام ويتسترون به! فمن هو الأشد كفرا، الشيوعيون أم أولئك المجرمون المدعون بـ«الإسلام»؟!