صالح الشايجي
تدثرت بالسواد وتلفعت به من اعلى رأسها حتى باطني قدميها!
عباءة سوداء تحتها حجاب يغطي الرأس وانسدلت عباءة السواد حتى حادثت الارض حديثا مباشرا وغطت وجهها بخمار اسود ثقيل سميك ولم تدع حتى لعين واحدة من عينيها فرصة الرؤية، استجابة لآخر الفتاوى التي تبيح للمرأة كشف عين واحدة فقط! بل أمعنت بالعتمة فأسدلت على العينين مع كامل الوجه ستار العمى المؤقت، اما الكفان فقد قفزتهما بقفازين سميكين، والقدمان جوربتهما بجوربين اسودين شديدي السماكة!
كانت تسير وبيدها تمسك بطفلة ثلاثية السنوات
ذلك كان المشهد، وهو مشهد واقعي ليس للخيال فيه حجم ابرة لنسجه، شيء اسود يتحرك، لا يوحي بأي شيء! ليس من جسد مكشوف ولا لباس خليع ولا ميوعة وتكسر في المسيرة المظفرة، فليس هناك ما يصف او يشف! حتى ظفر يلمع قد يغري عينا سبالة، غير موجود وزيادة في «الدراما» او «التراجيديا» طفلة صغيرة تضفي على المشهد هالات انسانية ورحمة للقلوب التي لا تعرف الرحمة.
هذه المرأة بما هي عليه، تطاول عليها شاب وهي تسير في شارع مكتظ بالناس، فمد يده اليها معتديا وثابا الى ما يشتهي من جسدها امام الملأ وجهرا لا كتما، وبغلظة بغيضة وبجرأة وقحة، فوقفت ذات الخمار الاسود مضرجة بسواد ما تلبس، حتى انقذها المارة من ذلك الوحش المستوحي من لا شيء شيئا يخصب خياله ويجمح بنفسه!
الجاهلون والمتنطعون بالحكي الرخيص، يلقون باللائمة ـ دوما ـ على المرأة في قضايا التحرش او الاعتداء الجنسي، موعزين ذلك الى «خلاعة» المرأة وطريقة مشيها وتسكعها وزينتها، لكن ماذا سيقولون في مثل هذه الحادثة التي تجلببت فيها هذه المرأة وتغطت وتدثرت وتسترت واسدلت على جسدها ستائر القبح كلها؟!
قلنا وكررنا مرارا ما يقوله العقل والمنطق، ان الضحية لا تلام ولا جرم لها ولا تثريب عليها، بل ان كل الجريمة تنحصر في الرجل المعتدي، ولكن المتنطعين يهدفون الى تحكيم رأيهم في عزل المرأة ووأدها، لذلك هم يثيرون الشبهات حولها ويحملونها اسباب المكاره التي تقع عليها، حتى يدفعوها دفعا الى المكوث بين الجدران لا يحق لها حتى الابصار من النافذة!
فلتكن في هذه الواقعة عبرة لمن تعتبر منكن ايتها النسوة المظلومات، وانطلقن ولا تأبهن.