صالح الشايجي
التماثيل تُصنع ولا تُعبد. أي أن إقامة التماثيل الآدمية وغيرها حلال، ولكن عبادتها هي الحرام.
ذلك رأي فقهي شرعي صادر عن رؤوس لا ترد كلمتها ولا تناقش لما تتمتع به من مكانة علمية سامقة، تعلو على اجتهادات الصبية والعابثين بالعلم الشرعي ودين الأمة والذين تكاثروا في سنواتنا هذه وصاروا أكثر من القطط السائبة في الشوارع المكتظة بالدسم.
إذن لماذا تخلو بلادنا، شوارعنا ومياديننا من التماثيل لشخصيات تستحق التكريم والبقاء خالدة على أرضـنا تراها الأعين كل صباح ومساء فتستلهم منها وتوثق العهد معها، وتترسم خطاها في السير على درب الوطن الأبدي؟!
إن التماثيل لا تقام للزينة فقط ولاعطاء فن النحت دوره من خلال عرضها في معرض دائم مكشوف، بل تكمن ضرورتها الأولى في ربط الأجيال المتلاحقة بالرواد وبأصحاب الفضائل الوطنية والعلمية والأدبية من أجل تعزيز روح الانتماء إلى الوطن ولذكر أصحاب الفضل وتخليدهم.
إنها نقيصة ومثلبة أن نستسلم للمتخلفين والعابثين والصبية الذين يتعثرون على طريق العلم الشرعي، والذين أفتوا بحرمة إقامة التماثيل ونصبها في الميادين العامة، فنفرط بذلك الاستسلام المخل والمخزي والمعيب، في أحد أهم المعالم التي تميّز المدن ونتخلى بذلك عن معناها الرمزي والوطني الكبير، فنصبح بذلك من الخاسرين ونحرم بلادنا من زينتها ومن أحد حليّها البراقة التي تباهي بها نظيراتها من البلدان.
لقد طال نومنا على وسادة أولئك الخاوين المتخلفين الذين قسّموا يومنا بين حلال وحرام، والذين استمرأوا نومنا واستسلامنا لهم، فصارت بلادنا التي كانت «عروس الخليج ومهد اللآلئ» ـ كما درّسونا في صغرنا ـ خرابا يبابا ومرتعا للثعابين والذئاب الباحثة عن لحم تنهشه، فلم تجد غير لحمنا فنهشته وعظمنا فجرشته!