صالح الشايجي
لا شك في أن جماعة «الإخوان المسلمون» هي من أكثر الجماعات السياسية ذكاء وبراغماتية وهي قادرة وبذكاء على الرقص على الحبال السياسية كلها وتهيئة الملاعب كلها بما يوافقها، وفضلا عن ذلك فهي تتمتع بأناة وطول صبر وقدرة على التحكم في أعصابها، ولا تستفز ولا تنفعل إذا ما كان ذلك الاستفزاز أو الانفعال، يضر بمصالحها.
هذه شهادة حق عليها دلائل كثيرة، مثل امتداد عمرها الذي جاوز الثمانين عاما وكذلك انتشارها الواسع على جغرافية الأرض الإسلامية، بل تجاوزها ذلك إلى بعض المجتمعات الغربية التي لا تدين بالإسلام.
ولعل أوضح علامات الذكاء السياسي لدى الجماعة – وهذا ما يخصنا نحن كدولة الكويت – هو موقفها من الاحتلال العراقي لبلادنا والذي كانت مؤيدة فيه لصدام حسين، ولكي لا تخسر موقعها في الكويت والتي تعتبر من أكبر البلدان الممولة لها، فقد قامت بحركة ذكية – انطلت علينا مع الأسف – وهي تحييد أو تجميد فرعها الكويتي والإيحاء له بالانفصال «الإعلامي» عنها، حتى لا يتهم الفرع الكويتي بموالاة الاحتلال فتنقطع المنافع.
وهي على كل حال قصة باتت معروفة للجميع.
التقيت مرة بأحد شبان الجماعة وهو من «حدس» فقال لي بابتسامة ذكية نحن ندرك أن دورنا أوشك على النهاية، لأن لكل فكر سياسي عمرا افتراضيا لا يتجاوز الثلاثين عاما، ويبدو أن هذا الرأي يشكل قناعة راسخة لدى سدنة «حدس» وقادتها، وهذا ما يكشفه تمسكهم بمشروع «داو» الذي عولوا عليه الكثير بعد أن يخرجوا من المسرح السياسي أو تنتهي أدوارهم عليه! وهذا ما أدّى إلى غضبهم وجنوحهم السياسي إلى حد الوصول لاستجواب رئيس الوزراء في هذا الوقت الذي بات فيه استجواب رئيس الوزراء شرارة تهدد بحرق الأخضر واليابس.
إن ذكاء «الجماعة» سواء في «حدس» أو في الحاضنة الأم التي تمثلها قيادة «الإخوان المسلمون» دفعهم لابتكار حركة «الانشقاق» التي تمثلت بانسحاب بعض الأعضاء من اجتماع المكتب السياسي للحركة والذي تمت فيه مناقشة استجواب رئيس الوزراء، كي تبقي الحركة أبوابا مفتوحة مع صناع القرار السياسي يدخل ويخرج منها المنشقون أما الحاصد فهو الحركة بتمامها.
ولكن ما هو ذكاء باعتقاد الجماعة في «حدس» بات أمرا مفضوحا ولا ينطوي على ذكاء أو قدرة على التحايل والدهاء، إلا عند من أراد استغباء نفسه واستمرأ الاستغباء، أي أن ذكاء «حدس» هو في حقيقته ليس ذكاء، بل إن ما يجعله كذلك هو غفلة الآخرين.