صالح الشايجي
واضح ان الأمور في بلادنا «لا» تسير نحو الأفضل، ولكن هذا لا يعني انها «لن» تسير نحو الأفضل!
مررنا بما نستطيع تسميته بـ «ثلاثين سنة» عجفاء، سارت خلالها البلاد في غير الطريق الذي أعد لها وقُدّر لها السير عليه، وانتخبت لها طريقا آخر لم يكن من إبداع أهلها ولم يكن من قدرها، فتاهت وتعبت، عطشت وجاعت، واسودّ وجهها وأصابها الهزال والارتخاء!
إنه مرض يصيب البلدان حين تفر تلك البلدان من قدرها وقدرتها وفطرتها وما تم تأهيلها له.
فالبلاد – الكويت – التي اختارت الحكم المدني والدستوري والقائمة أساسا على القوائم المدنية العلمانية وارتسمت صورتها التاريخية على تلك الشاكلة منذ بدء تكونها قبل منتصف القرن الثامن عشر، وحتى ما قبل ثلاثين عاما، نراها فجأة ودونما تخطيط أو أسس، تنحرف عن ذلك المسار وتحاول تغيير صورتها التاريخية التي بنيت عليها وميزتها على مدى أكثر من قرنين، لتتجه اتجاها آخر ذا طلاء ديني خطابي، دون أن تهيئ بنية أساسية أو قوائم تقوم عليها الدولة الدينية الجديدة، أو بمعنى أصح الدولة ذات الطلاء الديني والمضمون المدني، ثم حاولت تغليب الطلاء أو القشرة على المضمون.
ذلك ما أربك مسيرة الكويت، فلا هي تخلت عن دستورها رمز مدنيتها وعلمانيتها، لتدخل الى «الدين الجديد» أو «الدولة الجديدة» بكامل لحمها وشحمها وإيمانها وصدقها وتقاها وورعها، ولا هي بقيت على ثوابتها التاريخية ودستورها وعلمانيتها! فأضاعت بذلك «مشيتها ومشية الحمامة»، ومن هنا بدأ الاضطراب والتنازع والتناحر والفشل المتوالي.
الجزء المدني والعلماني من الكويتيين يرون ان الدولة خانتهم، وهم محقون في ذلك، فتلك الوثيقة «الدستور» الذي تم توقيعه والاتفاق عليه بين الجهاز الحاكم والمحكومين، تم الاستغناء الفعلي عنه ولم يعد هو المحكّم ولا الحكم، بل ظل مجرد كتاب مركون على الرف، يستعان به حين عسرة لمجرد التعذر والتحجج، أما في مضمون الدولة وما يسيّرها من تشريعات وقوانين، فإنه خلوّ حتى من رائحة الدستور!
أما الجزء الطارئ من الكويتيين وهم «الإسلاميون»، والذين أوجدتهم الدولة لهدم البناء المدني والدستوري للبلاد، فهم يعتقدون أن الدولة خانتهم كذلك، لأنها لم تعطهم الجمل بكامل ما حمل وانها مازالت «تتمسك» بالدستور ولم تتخل عنه، حتى وإن كان شكليا، ولترفعه في وجوههم حين يضيقون الأمور عليها!
بين «لا» المضارعة، و«لن» المستقبلية ظلام يحل ونور سيبزغ!