صالح الشايجي
المراهنة على العامة أو المجاميع البشرية التي لا يوحّدها عقد واحد ولا تنخرط في منظومة واحدة، هي مراهنة خاسرة في الأحوال كلها، ولا يمكن الاعتماد عليها، وبالخصوص فيما يتعلق بانتخابات مجلس الأمة القادم، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نراهن على اختيار الشعب ونرهن مصيرنا بما تفرزه صناديق الانتخابات.
إن لكل فئة بشرية من المجتمع الكويتي قناعاتها الخاصة، فبينما ترى الفئة «أ» مثلا أن فلانا هو الأفضل لتمثيلها في المجلس وبالتالي تمنحه أصواتها، ترى الفئة «ب» أن ذلك المرشح ذاته التي أجمعت عليه الفئة الأولى، هو «أسّ البلاء» ويجب إقصاؤه.
إن تغيير قناعات الناس ليس بهذه البساطة أو السهولة، كما ان الاعتماد على وعيهم وصحوة ضمائرهم، هو ضرب من التساهل وعدم الجدية في معالجة المشكلة قَيد العلاج.
إن ابن القبيلة سيلتزم بالتصويت لابن قبيلته، لأن قناعاته ترسّخت على ان ابن قبيلته هو الأفضل، أو حتى إن لم يعتقد ذلك، فهو يرى ان وجود قبيلته تحت سقف البرلمان فيه شيء من تأكيد الوجود وتأصيل الذات فضلا عن الوجاهة.
كما ان ابن الطائفة وبالذات إذا ما كان متمسكا بالعقيدة الطائفية لن يمنح صوته لغير ابن طائفته، للأسباب ذاتها التي دفعت ابن القبيلة لانتخاب ابن قبيلته.
هذا الواقع هو الذي يربك العملية الديموقراطية في الكويت، حيث ستصغر نظرة النائب الفائز بأصوات القبيلة أو الطائفة، وتقصر بحيث لا تنظر نظرة شمولية لمشاكل البلاد، بل ستنحصر نظرته فيما يحقق مصالح أبناء قبيلته أو طائفته لرد دين الأصوات التي أوصلته وليضمن أيضا توصيلها له مرة أخرى، وهكذا.
كيف يمكن معالجة هذا الواقع؟! هل باستمرار المراهنة على وعي الناس وإدراكهم لقيمة ذلك النائب وكيفية إدارته عمله البرلماني، وأين صوّت «مع» وأين صوّت «ضد»؟! الجواب طبعا لا بكل تأكيد، بل إن الأمر يتطلب معالجة أقوى من ذلك بكثير، وذلك بوضوح الرؤية لدى الحكومة وهي الشريك الأهم في البرلمان وهي المؤتمنة الشرعية على مصالح الناس والحفاظ على الدستور، وأيضا بقوة الحكومة وعدم انجرارها وراء كل تهديد طائش من نائب طائش، وأن تقف بقوة ضد مشاريع القوانين والاقتراحات التي يتقدم بها النواب لدغدغة مشاعر ناخبيهم ولو كان على حساب مصالح البلاد العليا، ولو أدى الأمر الى الاحتكام للمحكمة الدستورية لضمان دستورية كل قانون يصدر فيه شبهة، أو ان تلجأ الى مبدأ «عدم التعاون» ثم الدعوة الى انتخابات مبكرة، وهكذا.
في هذه الحالة فقط قد يستقيم العمل البرلماني ويصلح حال البلاد، ولو بدت الحكومة بمثل هذه القوة فإنها ستدفع نواب المصالح والأزمات الى قطع صلتهم بالبرلمان بعدما أبطلت الحكومة أفاعيلهم وسحبت منهم أسلحتهم.