صالح الشايجي
في نظرة واقعية وحقيقية وغير مفتعلة ولا متحيزة لتاريخ هذه البلاد، تجري خلالها مقارنة بين حقبتين عاشتهما، إحدى تينك الحقبتين قادها الفكر الليبرالي الانفتاحي، والثانية قادها الفكر الديني الانغلاقي، لنستخلص أي الفكرين خدم وأيهما هدم؟!
قاد الفكر الليبرالي البلاد منذ نشأتها فأسس ورسّخ مجتمعا إنتاجيا، فيه البنّاء والفاعل والعامل والبحار والتاجر، ونتج عنه أسطول بحري كبير كان يشكل عماد الاقتصاد الكويتي، وكان يعتبر شريان الحياة في البلاد يمدها بالموارد الاقتصادية وبالماء والزاد.
الفترة البحرية في تاريخ الكويت والتي قادها الفكر الليبرالي صنعت معجزات فنيّة هي فنون البحر التي جاء بها علماء الموسيقى وحيّرتهم من حيث انتسابها لتلك الفطرة والبساطة ومن أناس عفويين لم يدرسوا الفنون وربما لم يسمعوها، ولكن ما أنتجوه كان عبقرية في علم الموسيقى والفنون الإيقاعية والأدائية، ثم تطورت هذه الفنون على أيدي فنانين كويتيين محدثين في حقبة خمسينات القرن العشرين وستيناته لتمزج حاضر الكويت بماضيها في نسق فني جميل وشجي.
الحقبة الليبرالية أنجزت لنا المستشفى الأميركي ثم الأميري ودخل الطب الحديث الى الكويت وصار يداوي علل الكويتيين، كما أنجزت لنا تلك الحقبة النظام التعليمي الحديث والذي ابتدأ بمدرسة «المباركية» وتلتها «الأحمدية» لتسير بعد ذلك قافلة التعليم ممثلة بمناهج حديثة وبمدارس توزعت على جغرافية الكويت كلها.
برزت الكويت – آنذاك – في مجال المسرح والموسيقى والتأليف والإصدارات الثقافية الرصينة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الحديثة والجمعيات المهنية المتخصصة، وتنظمت الدولة وأنجز الاستقلال وأنتج في أعقابه الدستور والديموقراطية والتي تعود تباشيرها إلى عام 1921 في المجلس التشريعي آنذاك، ثم مجلسي 1938 و1939.
وإنشاء البلدية عام 1930 ثم مجلس المعارف، حتى جاءت المرحلة النفطية والتي كان من أول آثارها إنشاء المؤسسات والإدارات الخدمية الحديثة.
تلك ملامح صغيرة جدا من نتاج المرحلة الليبرالية، لا إحصاء لها، ولكن لنطلع وفي عجالة على ما أنتجته لنا المرحلة الإسلامية التي ابتدأت مسيرتها منذ ما يزيد على ثلاثين عاما.
خلال هذه الحقبة الإسلامية الثلاثينية، تم حل مجلس الأمة مرتين حلا غير دستوري سنتي 1976 و1986.
وعديدا من الحلول الدستورية أعوام 99، 2006، 2008، 2009.
كما صدرت عن مجلس الأمة قوانين وتشريعات غير دستورية وخارجة عن النمط الكويتي وحادت بالكويت عن جادتها الأصلية.
تخلفنا في المجالات كلها، فلسنا موجودين على خارطة الرياضة، بينما كنا فيها أسيادا وأسودا مرعبة، كما تراجع الفن وتقلصت مساحة الحرية في كل شيء، وزادت الجريمة وعرفت البلاد الإرهاب المميت والمدمر وانتشر السلاح بأيدي الناس وتفشت المخدرات وعمليات النصب واضطرب الاقتصاد وضجر الناس وارتبكت التركيبة السكانية، وبرزت الطائفية والقبلية، وغاب الوطن عن اهتمامات الناس وصار الكل يرعى مصلحته الخاصة وهو يرى السفينة تهوي.
نحن إذن أمام مرحلتين، مرحلة ليبرالية بنت وأنجزت ومرحلة إسلامية هدمت وقوّضت! فمن يكذّب التاريخ؟!