صالح الشايجي
ملك ملوك أفريقيا، ثار على ملك! ملك على بلاده فقط لا على أفريقيا كلها، أبيضها وأسودها!
كان ملكا قنوعا، شيخا طاعنا في السن، ودرويشا من دراويش زمانه، يحكم بلاده الشاسعة بإرث تاريخي وديني كبير.
ذات ليلة أعد «العقيد» عدته وصلى صلاة استخارة، وعقد العزم واقتحم عرش الملك فتهاوى العرش وأجلي الملك، وحل العقيد محل الملك.
لم يكن العقيد يبحث عن الحكم فقط، بل كان يريد تدريس الحكمة في الحكم، وكيف تحكم بلسانك، أما أقوالك فلها البحر تسبح فيه حتى تغرق أو تطفو وتأخذها الامواج الى الساحل الآخر.
أبواب قصر الملك لم تكن محكمة الاغلاق، لذلك سهل على العقيد فكها وفتحها وتفتيتها، فما كان الفاتح من سبتمبر، حتى كان «القذافي» وريث العرش، قسرا وإجبارا وليس بالتراضي والتفاهم والتوافق.
اضمحلت الدولة «السنوسية» وتلاشت، أكلها الزمن، و«ادريس» الملك السنوسي بات لاجئا في القاهرة، يبكي كالنساء ملكا مضاعا، وربما لم يبك، لأن ملكه ما كان دمقسا ولا حريرا ولا أواني من ذهب وفضة، ولا كنوزا تحت «البلاطة» الملكية! ربما كان «عزه» لاجئا في القاهرة خيرا من «عزه» في قصره الليبي! أقول ربما!
الثورة تأكل أبناءها، ولكن ثورة «القذافي» أكلت الاحفاد ايضا وأبناء السبيل والعاملين عليها! ومن لم تأكله الثورة، فر بجلده ناجيا بنفسه من سكاكين القائد، ولكن أنى له ذلك؟! تدركه السكاكين ولو كان في بروج مشيدة!
فلسطين ـ آنذاك ـ كانت موجودة، الزمن لم يبلها بعد، فوجه القائد راجماته الصوتية صوب فلسطين التي اختارته العناية السماوية لتحريرها!
آذان العرب كبيرة تحب السماع الكثير، وسماع الكلام الكبير بالذات، لذلك عرف القذافي كيف يسكن في زاوية من زواياها منذ اربعين عاما ومازال! ثم اكتشف أن عيون العرب تحولت الى نظام «الالوان» بعد زمن الاسود والابيض، فسار في طريق ارضاء العيون العربية، مثلما أرضى ـ قبل ذلك ـ الآذان العربية، فتحول الى نظام الالوان! أخضر وأحمر وأزرق وأصفر ورمادي وتركواز، وجلابيب وطاقيات مزركشة وعمائم وأردية وأغطية وأزياء خاصة به!
لما لم تتحرر «فلسطين» بفعل راجماته الصوتية، ارتأى ان يطبع العلاقات مع اسرائيل دينيا فأرسل حجيجه الى «القدس» ليطوفوا ويطّوّفوا!
له في كل عرس «عرس»! فهو لا يرضى بأن يدخل كما الآخرين ويخرج ويجلس ويتكلم مثلهم، تأبى المروءة! يدخل ويجلس ويتكلم ويلبس وينظّر على طريقته الخاصة.
مجّ العرب قبل أن يمجوه، فيمم وجهه شطر أفريقيا السمحاء، فنام في رأس «بوكاسا» وحقنه بالملايين ليحوله الى «الامبراطور» صلاح الدين، المسلم الذي كان يتلذذ بأكل اطفال المدارس ذكورا واناثا وان شبع يجمد الآخرين حتى الوجبة اللاحقة!
جياع أفريقيا السوداء، لا مانع عندهم أن يؤمّروا عليهم حافر بئر أو حافر قبر، فما بالك بمن يملك ثروة لو تداعت على قصعاتها وحوش البراري كلها وجوارح الفضاء جميعها، ما استطاعت أن تنقصها، لذلك أمّر أولئك الجياع القذافي ملكا عليهم، فصار ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين! وهذا ما عرفناه في قمة «الدوحة»، والنتيجة الوحيدة لتلك «القمة»!