صالح الشايجي
تقادم الزمن على مقتل «حسن البنا» ودخول العامل الديني، هما اللذان غيّبا حقائق مهمة قد تساعد على تغيير النظرة إلى هذا الرجل وهو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين والذي تم اغتياله في عام 1949.
فالرجل الذي حاول البعض من أنصاره ومريديه إضفاء هالة من القدسية على شخصيته هو في الحقيقة على صورة مغايرة تماما لهذه الصورة المتخيلة والمتوارثة عنه والتي زرعها هؤلاء في أذهان الناشئة بقصد التكسب والتعضيد والتقوية بهم، حتى يكونوا كيانا أو حزبا سياسيا يرتكز على قواعد وتمددات اجتماعية.
تقول سيرة الرجل «حسن البنا» إنه كان براغماتيا من الدرجة الأولى، ومتقلّب المواقف والاصطفافات. فلقد أيّد محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء عام 1947 وسيّر المظاهرات تأييدا له، ضد «حزب الوفد» الوطني والأكثر شعبية وحضورا في الحياة السياسية أيام الملكية المصرية! ثم فجأة ينقلب على «النقراشي» ولم يكتف بالانقلاب عليه، بل ذهب إلى اغتياله وإزهاق روحه! والفارق الزمني بين «التأييد» و«الاغتيال» لم يكن سوى عام واحد!
كما أن «البنا» أمر باغتيال القاضي «الخازندار»، وكان قبل ذلك قد قدّم ولاءه للملك «فاروق» ولم يكن الملك يثق به، ولكنه أعطى الأوامر للقصر بالاستفادة من «البنا» وجماعته للانتقام من «النحاس باشا» زعيم حزب الوفد، وكان «البنا» يتردد على القصر الملكي لتسجيل اسمه في سجل الزيارات تأكيدا لتأييده للملك! ولكنه بعد ذلك انقلب على الملك وأعلن موقفه ضد التوريث بالحكم ودفع بالطلاب الجامعيين من جماعة الإخوان المسلمين إلى التظاهر وتمزيق صورة الملك! وبعد ذلك توصلت الأجهزة المخابراتية إلى «رزنامة» لا تحمل صورة الملك، بل صورة الملك الجديد «حسن البنا»!
قامت جماعة الإخوان بمظاهرات عنيفة أدت إلى قتلهم لمدير الأمن العام في القاهرة، وقبضت الشرطة على سيارة تابعة للإخوان مليئة بالأسلحة وبخرائط ووثائق تدلل على عزمهم قتل شخصيات كبيرة، وذلك بعد سلسلة تفجيرات قامت بها هذه الجماعة، ولكن «البنا» يذهب للقصر لينفي علاقة «الجماعة» بأعمال العنف تلك، رغم أن الشرطة قبضت على أفراد تلك الخلية وأقرّوا بانتمائهم لجماعة «الإخوان».
وتمتلئ سيرة «البنا» بالتناقضات وباستطالة المصالح والميكيافيلية والبراغماتية، فحينما أحس بأن الطوق يقترب من عنقه وجّه رسائل الندم والاعتذار للديوان الملكي ولرئاسة الوزراء وبكى وتعهد بأنه سيوقف النشاط السياسي لجماعته ليعود بها سيرتها الأولى وهي الاهتمام بالشؤون الدينية! وأصدر بيانا شهيرا يصف فيه من اغتالوا «النقراشي» بأنهم ليسوا «إخوانا ولا مسلمين»، رغم أنهم من جماعته.
وبين الذين شملهم الاتهام باغتيال «حسن البنا» هم جماعته «الإخوان المسلمون» بعدما جردهم من انتمائهم للإخوان، وهو الأمر الذي لم يكن ذا بال عندهم، ولكن ما أمضّهم وأغضبهم هو وصفه لهم بأنهم «ليسوا مسلمين»!
وهكذا بدأت وانتهت سيرة «حسن البنا» وقوائمها التناقضات والميكيافيلية والتزلف والدم!