تسيطر علينا جميعا ودون استثناء، فكرة أن الزمن الذي نعيشه هو أقل قدرة وجمالا مما سبقه من أزمنة، حتى بتنا نتداول وبشكل يومي عبارة «الزمن الجميل» حين نتذكر أغنية أو فيلما سينمائيا أو مسرحية أو مسلسلا تلفزيونيا أو..أو.. أو حتى شخصية راحلة سواء كانت فنية أو رياضية أو سياسية.
تبنينا ثقافة الندب والحسرة والآه الحارقة الصدور التي تنفثها والآذان التي تسمعها.
لست أنا من فصيل مختلف ولست خارج إطار النادبين المتحسرين المتأوهين، فأنا منهم ومعهم أتحسر وأندب وأتأوه، فهل نحن محقون في نظرتنا إلى زمننا بسلبية وتبجيلنا للماضي؟
ما يجب أن نؤمن به هو خطأ نظرتنا تلك وعدم صوابيتها، فالأزمنة تتطور وتمضي إلى الأمام ولا تتراجع الى الوراء، ولكن الحنين الى الماضي وهو طبيعة إنسانية هو الذي يجعلنا ننظر تلك النظرة السلبية لزمننا متحسرين على الزمن الجميل.
هل نتحسر على زمن ركوب الدابة وأهوال الطريق ومشقة المسافة بين القرية والمدينة ولا أقول بين بلاد وبلاد، أم نتحسر على زمن السيارة البدائية الخالية من رفاهية سيارة اليوم وبما فيها من قوة وصلابة ووسائل أمان، وهل نتحسر على زمن خال من الراديو والتلفزيون ووسائل الاتصالات والانترنت و.. و.. و..إلخ؟!
البعض انتقائي يكتفي بزمن الفيلم الأسود والأبيض وعصر «الميني جوب» و«السندويتش» بعشرين فلسا، ناسيا أن ناس ذلك العصر كانوا يتحسرون هم أيضا على أيام بيت الطين والنوم على الأرض وخرير السطح أيام المطر!
لا بد من الإيمان بأن أجمل العصور والأزمنة هو العصر الذي تعيش فيه.
نتناسى نعم الزمن الذي نعيشه وما فيه من ترف ورفاهية وجمال، لأن الإنسان جحود بطبيعته ولا يرى الكمال، بل يبحث عن النقص والقصور والقبح من أجل أن يربي في قلبه همّا ولا يصدق حالة الرغد لأنها لا تسره بقدر ما يسره همه وشكواه وحسرته.
وعين الرضا ـ كما قال الشاعر ـ عن كل عيب كليلة.. ولكن عين السخط تبدي المساويا. ونحن نفتح عين السخط على حاضرنا ونفتح عين الرضا على ماضينا.
[email protected]