صالح الشايجي
حناجر تخشى الصدأ، وأقلام تخشى الجفاف!
الحناجر راحت تتمرن – خشية الصدأ – على «الصولفيچ الانتحاري» حتى تنصقل وتصفو لها الآذان سمعا وطربا ونشوة! ويا موال العراق كم لك منشدون!
وأقلام – حتى لا تجف – غمست إبرها في مداد العراق أيضا وأيضا!
في العراق غربان، مثلما لدينا، ولدينا غربان مثلما في العراق!
إنها حروب الغربان، هذا ينعق هنا، وذاك يرد عليه على «الدوزنة» ذاتها، و«الصولفيچ» نفسه، و«النوتة» عينها! عيونهم تقرأ «النوتة» ذاتها!
إنه فُحش في القول، إذ يقول غراب هنا: نحن استرددنا كرامة العراقيين!
وفُحش هناك: نطالب الكويت بتعويضات!
الغربان لا تقود أمة إلا إلى الخراب.
العراق – الان – بلد مصطخب بالموت! كان أسود أيام «صدام» وصار أحمر بفعل الموت المتفجر، ما لدى العراقيين من موت يكفيهم، وما لديهم من مشاحنات دموية طائفية أو عرقية أو دينية أو سياسية يكفيهم، ولا أظنهم في حاجة إلى مآسٍ يستوردونها من الجنوب ولا أظن أنهم يشكون من نقص في الفواجع، حتى نتكفل بتصدير المزيد منها إليهم!
سهل شهر سيف العداوة، وطنطنة الكلام، وأسهل منهما التفاخر ونفخ الذات بأننا أصحاب الفضل عليهم في تحريرهم من الطاغية المقبور، متناسين أن قبر الطاغية كان لراحتنا أولا وحتى تكون وسائد نومنا مخملية ولتتحقق في رؤوسنا أحلام وردية! وأن مساهمتنا في «تحرير العراق» لم تكن لأجل سواد عيون «المالكي»، و«الطالباني» و«الصدر» و«أم كاظم» و«زهرة» و«نرجس» وحرائر العراق مجتمعات أو متفرقات، بل كانت من أجل بلادنا نحن وأهلنا الذين عانوا مرارة وجود صدام في سلطته.
العراقيون في «كلهم» أو في «جلّهم» يرفضون القول بـ «تحرير العراق»، فلماذا نفرض عليهم ما نعتقده نحن؟! سقوط «صدام» تحرير للعراق في رأينا نحن! أما هم ورغم مباركة أغلبهم لذلك السقوط المدوّي، فلا يرونه تحريرا حتى يجيء منا من يعلن تباهيه بالتحرير!
لست معنيا بمخاطبة العراقيين، بل إنني معني بمخاطبة أهل بلدي، هوّنوا عليكم ولا تستفزوا كلما صاح صائح أو نعق غراب في العراق، فمازال في العراق «صداديم» حتى وإن سقط صنمهم الأكبر، وغرضهم أن يجرونا إلى ساحة حرب، أو يجروا ألسنتكم إلى الكلام المدنّس حتى يدينوكم ويدينونا معكم، فاصمتوا ودعوا العقلاء يتصرفون! فذلك ميدان العقلاء، لا الغربان!