صالح الشايجي
لست من الذين يميلون الى اثارة الغبار والتشكيك كلما ظللت على البلاد غيمة «استجواب» ممطرة، وكذلك لا اميل الى محاكمة النوايا فأذهب مع من يذهب الى ان مقدم الاستجواب له مآرب اخرى من استجوابه غير العمل الدستوري، مع ما يرافق ذلك من عبارات التشكيك والتخوين، بل ارى عكس ذلك تماما، فكل من يتقدم من اعضاء مجلس الامة باستجواب لوزير، فهو يمارس حقه، ومحركه في ذلك حرص على المصلحة العامة ـ من وجهة نظره ـ ودوره كنائب عن الامة.
والاستجواب الاخير من النائب مسلم البراك لوزير الداخلية، قيل فيه الكثير، وقال النائب المستجوب الكثير الذي يستحق الاحترام والثناء والتقدير، وكذلك يأخذ سامعيه الى صف مصدقيه والمؤمنين بطرحه، بل بشكره على ما قام به.
ومن ناحية اخرى، فإن رد وزير الداخلية بما تضمنه من ايضاحات وتوضيحات، يحمل ـ كذلك ـ على الاحترام والتقدير والتصديق وبراءة ذمة الوزير مما طاله من تشكيك حملته محاور الاستجواب.
وهذا هو ما يسمى بـ «الاستجواب الراقي» او «الطرح الراقي» والذي يخلو من الشخصانية والتقصد والتصيد، مع ملاحظة ضرورة وجود شيء من البهارات يرشها النائب على استجوابه للتجويد والتحسين والتزويق.
يتبقى بعد انتهاء العرض واتاحة الفرصة للجميع لمتابعة الاستجواب، تحكيم الضمائر والحكم بما يخدم المصالح الوطنية، وبالذات لدى السادة اعضاء مجلس الامة والذين سيتحولون الى قضاة في جلسة طرح الثقة يوم الاربعاء المقبل، فالذي يغلب لديه حسن النية ويرى تسيير الامور دون توقف لمصلحة البلاد، فإنه سيمتنع عن طرح الثقة ويكتفي بردود الوزير والتي لا اعتقد انها تركت ظلالا من الشك، او انها تركت الامور عائمة، اما الذي سيتعسف من النواب ويسد اذنيه عن كل ما سمعه من ردود الوزير ويبقى على قناعته بطرح الثقة او عدم اهلية الوزير، فإن عليه ان يراجع حساباته وينظر للامور بنظرة اكثر شمولية واتساعا، ويحكم ضميره لانه سيمارس دور القاضي، وليس مطلوبا منه ممارسة دور الجلاد او السياف! فشتان بين ان يكون المرء قاضيا وان يكون سيّافا! ونواب الامة قضاة لا سيّافون!