مازلت أقرأ في كتاب لم أتممه بعد، عن الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف «الحسين بن علي».
سأقصر حديثي عما لاقاه «فيصل بن الحسين» الذي قاد الحملة إلى سورية ومن ثم صار ملكا عليها.
لن أدخل في التفاصيل السياسية لتلك المرحلة وما لاقاه «الملك فيصل» وواجهه من أحداث مرت به وبسورية ولبنان كذلك، ولكنما سأقصر كتابتي حول السلوك الإنساني العربي منذ تلك الفترة التي تكاد تقترب الآن من المائة عام.
أثناء قراءتي لتلك الأحداث وسلوكيات الأفراد أو الساسة آنذاك، أتخيّل نفسي وكأنّني أسمع نشرة أخبار اليوم، لا أحداثا مرّ عليها مائة عام.
ومقولة «ما أشبه الليلة بالبارحة» وكذلك مقولة «التاريخ يعيد نفسه»، تؤكدان صدقيّتهما دونما أدنى شك.
ففي تلك السنوات القديمة نفر من الناس كمثل من هم موجودون الآن في أيّامنا الراهنة، من المؤجّجين والمؤلبين الناس وممن وهبهم الله القدرة على الخطابة وملّكهم ناصية البيان وسحر الصوت وحسن الأداء، فيقودون شوارعهم إلى الخراب والى الدمار والموت.
دعاة حرب لا يملكون مؤونتها ولا كفاءتها، ولكنهم يملكون التأجيج لها ودفع الناس إليها بانتشاء، وشهوة الموت تسكرهم وصوت قعقعة السيوف وصهيل الخيل مَطْرَبُهم ومطلبهم، حتى إذا ما صاح نفير الحرب، ولّى أصحاب الحناجر الأدبار عن ساحة الوغى وميادين القتال ودفعوا إليها ضحاياهم والمنتشين بجميل بيانهم والمسحورين ببلاغتهم وبرجيج أصواتهم الهادرة.
دعاة الحرب وضحاياهم أو تبّعهم، مازالوا موجودين حتى يومنا هذا، والحرب أنواع متعدّدة، وليست بالضرورة حرب دولة ضد دولة، ولكنها حروب أصغر منها وقد تكون أمرّ وأشرس وأكثر أذى وأشدّ تمزيقا، وهي الحرب الداخلية بين فئة وفئة في البلد الواحد.
دعاة الحرب أولئك، أيّام فيصل، كانوا يريدون محاربة «فرنسا» وهم ببنادق وخيول، وخصمهم بدبابات وطائرات ومدافع دكّاكة.
والنتيجة معروفة، ولست سارد تاريخ أنا في هذه المقالة.
استنتجت أننا كشعوب عربية نعرف كيف نخسر ولا نعرف كيف نربح، واستنتجت أننا فعلا أمة كلام، جئنا من رحم الكلام، ننتشي به ونطرب له وننساق إليه مسحورين مأخوذي الألباب فاقدي الرشد تائهي الخطوات.
لا قيمة للعقل ولا للعقلاء عندنا لأنّنا أدنى وأقصر من فهم العقل وكلام العقلاء غير الحماسي والذي لا يشعل حطب حماسنا ثم ضلالنا.
إلى متى يا عرب ستبقون كذلك؟!
[email protected]