صالح الشايجي
حراجة الوضع في البلاد وشدة الوضوح في طرح القضايا الإشكالية والخلافية، تجبرنا على مواجهة هذا الواقع الصريح بالمناقشة الصريحة وغير المتحفظة وربما التي تحمل بين تلافيفها وغصونها أمورا ملتهبة وغاية في الدقة والحراجة، مرجحين عليها الصراحة والمكاشفة اللتين يقتضيهما الوضع وما يطرح في الآونة الأخيرة من قضايا مساوية لها في الالتهاب والحراجة.
نكاد نتلمس ثمة انشقاقا في الصفوف، بين كويْتَيْن أو فسطاطين كويتيين، فسطاط يريد هدم الثوابت أو تغيير مراكز القوى والنُصُب التاريخية التي عرفتها البلاد منذ بدء نشأتها، وفسطاط يرى المحافظة على القوائم التاريخية وإبقاء مراكز القوى في مواقعها حفاظا على هيبة الواقع القائم والذي توارثته الكويت عبر أجيالها وصار في قلب «الثوابت الكويتية» ومحددا للهوية الكويتية.
تلمس هذا الواقع الجديد أو التخوف الجديد لا ينحصر في جزئية «قبائل» و«حضر»، أو سكان «المناطق الخارجية» و«أهل السور» أو «عيال بطنها» ومن هم على غير تلك الصفة، بل إن هذا الواقع المخيف ينتشر ويعم جغرافية الكويت كلها سواء السكانية أو الجغرافية. وليس غريبا أو جديدا أو معيبا أن نقول إن هناك كويتيين قدماء أو مؤسسين تشربوا الحياة الكويتية والثقافة الكويتية بل هم صناعها وكاتبو سطورها، وكويتيين جددا هم ليسوا بالضرورة وفدوا إلى الكويت جديدا أو مؤخرا، فالمسألة ليست في تاريخ القدوم إلى الأرض الكويتية، بل هي في تلبس الحالة الكويتية وورود المنبع الثقافي الكويتي وبداية النهل منه.
تلك الفئة الجديدة ـ وبالتأكيد ليست كلها ـ بل المستثمرون فيها من ساسة أو مبرزين أو من حاول تسلق سلالمها، هي التي تحاول اليوم الإيحاء لمجاميعها بضرورة تغيير الثوابت والعبث بها، وذلك من خلال بث الشكوك حول المظلومية التي تعيش فيها تلك المجاميع، وهو بالتأكيد مجرد نوع من الهراء أو الهواء السياسي الذي إن أصاب فقد تحقق المراد لمن يبثه وإن لم يُصب فليس من ضرر يلحق بصاحبه، بل إن الضرر سيكون عاما وشاملا، وفي هذه الحالة لن يضار صاحب تلك الإبثاثة البشعة والمفرقة، لأن حرق الحطب كله، خير من حرق حطبه وحده و«حشر مع الناس عيد».
هكذا هم يفكرون، فضلا عن عقدة تتحكم بالنفس البشرية، وهي رفض المستجد أو الداخل الجديد إلى جماعة ما، لكل ما استقرت عليه تلك الجماعة وتوافق عليه أفرادها، فهو يرى نفسه طارئا على الواقع في حال استمرت ثوابت تلك الجماعة التي دخل أو انتمى إليها، لذلك تدعوه عقدة أصالة الانتماء إلى تغيير الواقع ليتوافق معه، وليجد نفسه منتميا أصيـــــلا إلى هذا الواقع الجديد الذي ساهم هو في صناعتـــه، بينــــما يحس بالغربة والوحشة وربما الدونية في ظل الواقــــــــع القديم.