صالح الشايجي
قرأت مقالة لمن كتب، مشيدا بـ «وطنية» لاعب كرة قدم مصري، كان عرض عليه ثلاثون مليون جنيه مصري، للعب لأحد الاندية الخليجية، ولكنه رفض العرض متمسكا باللعب داخل بلاده، واعتبر كاتب المقال أو كاتبته ذلك موقفا وطنيا يستحق الشكر.
الوطن لا يجني على ابنائه، ولا يبخسهم حقوقهم ولا يقف حائلا دون مصالحهم، وكل مواطن يشكل جزءا من وطنه، ومجموع المواطنين هو الوطن كله.
إن اللعب بعواطف الاغرار والبسطاء والسذج، وزرع مفاهيم خاطئة لـ «الوطنية» يهدمان الوطن ولا يخدمانه، وليس من الوطنية أن يمتنع لاعب مميز عن الاستفادة المالية من تميزه وكفاءته ومهارته، فضلا عن ان وجوده في الخارج للعب مع فريق خارجي، هو بمنزلة الرسالة الوطنية التي يحملها المواطن لتشريف صورة وطنه وتلميعها.
لماذا يطبق مفهوم الوطنية في هذا الحيز الضيق على اللاعب فقط؟ فماذا مثلا لو زرعنا هذا الفهم الخاطئ للوطنية في عقل الطبيب والمهندس والمدرس والاستاذ الجامعي والممثل والمطرب والعامل والمهني، وتم غرس هذا المفهوم في عقولهم، بحيث تكون العقيدة أو العقدة الوطنية قائمة على ان من يعمل خارج بلاده يكون ناقص الوطنية، وان العمل داخل البلاد هو الوطنية الكاملة.
لقد غنت «أم كلثوم» في البلاد العربية كلها تقريبا، وأقامت فيها الحفلات، وبالذات في أعقاب نكسة 67 دعما للمجهود الحربي، ومثلها فعل المطربون كلهم، فهل كان ذلك الفعل وطنيا أم غير وطني؟ والكثير الكثير من العلماء والاطباء المصريين غادروا بلدهم وعملوا خارجه، فهل احمد زويل أو رضوان السيد أو مجدي يعقوب أو فاروق الباز، خانوا وطنهم أو نقصت وطنيتهم، حينما عملوا خارج مصر وتميزوا وخدموا العلم والبشرية ورشهم العالم بماء الورد ونثر عليهم الزهور، ويزورون بلدهم كأبطال مميزين ذوي وطنية عالية ترفع رؤوسهم ورأس وطنهم ومواطنيهم؟
لابد من تحرير العقلية العربية من الفهم الساذج لمفهوم الوطنية، فالوطنية لا تعني الالتصاق بالتراب الوطني، بقدر ما تعني رفع قيمة الانسان وتطوير قدراته وتحقيق مصالحه.