صالح الشايجي
ثمة معركة حامية الوطيس تخلّف كل يوم ضحايا كثرا وجراحات «لها في القلب عمق» ـ كما قال أحمد شوقي، طرفاها من الناحيتين هم أنفسهم أول ضحاياها لأنهم يتحاربون أو يحارب بعضهم بعضا في ظل توهم واضح أن من يحاربونه هو خصمهم، فمتى ما هزموه فازوا باللذات ورفعوا بيارق النصر، بينما الحقيقة غير ذلك تماما، فذانك الطرفان المتحاربان يتعاركون في معركة وهمية ومع خصم يتوهمونه، بينما الخصم الحقيقي بعيد عن الشبهات وعن نيران تلك المعركة.
أنا واحد من فريق من ذينك الفريقين، ولكنني لست أحارب مع فريقي ذاك الخصم المتوهم، بل أحارب أو أخاصم الخصم الحقيقي.
وبعيدا عن الألغاز والطلاسم، فإن الفريقين المتحاربين، هما: فريق العلمانيين والذين يسمون أنفسهم الليبراليين وهو الفريق الذي أنتمي إليه، أما الفريق الآخر فهم الإسلاميون، والذين لا أنتمي إليهم ولكن ـ أيضا ـ لا أحاربهم.
هذان الفريقان في خصومة دائمة، وهذا أمر طبيعي وعادي، بسبب اختلاف الرؤى والمنطلقات الثقافية والأهداف التي يصبو إليها كل فريق من الفريقين، ولكن مكمن العلة أن الفريقين يتحاربان لا على القضايا الفكرية والمنطلقات والرؤى، بل إنهما يتحـــاربان ويتخاصمان إذا ما تحقق لأحد الفريقين إنجاز على الأرض.
من المعروف وفي ظل الدولة المؤسساتية والمدنية أن أي إنجاز يتم تقوم به مؤسسات الحكومة وهي المهيمنة على مقاليد البلاد وأمورها، وكل ما تحقق للإسلاميين أو للعلمانيين لم يتحقق بجهودهم أو بأوامرهم هم، بل إن المنفذ هو الحكومة، وهي السلطة التنفيذية، لذلك فإن لوم العلمانيين وعتبهم وحربهم وخصومتهم، يجب أن تكون موجهة ضد الحكومة لا ضد الإسلاميين، وبما أن العلمانيين لم يتحقق لهم شيء ولم تنجز الحكومة لهم أمرا يذكر، فإن سهام الإسلاميين يجب أن تكف عنهم، فليس معقولا أن الجريح أو الصريع تنال منه السهام الجارحة رغم جراحاته ومصارعه ووفاته الوشيكة.
وعلى العلمانيين في هذه الحالة توجيه سهام خصومتهم الى خصمهم الحقيقي وهو الحكومة والكف عن الدخول في مهاترات وتجريحات للإسلاميين والتشكيك في نواياهم ووصفهم بـ «المتأسلمين» وما إلى ذلك من صفات ونعوت، ففي ذلك إضاعة للجهود وتشتيت للتركيز على القضايا التي يجب أن يركز عليها العلمانيون، وعليهم ألا يضيعوا وقتهم في محاربة من هو ليس خصمهم بينما يتركون خصمهم الحقيقي هانئا مرتاح البال.