صالح الشايجي
-
لا تكتبي اسمي بدفترك ولا عنواني..
-
فلا أريد أدخلك دائرة أحزاني..
-
اسمي حزن، وعنواني حزن ثان..
خفيف ثقيل!
هل هناك كتابة خفيفة وكتابة ثقيلة؟!
وهل هناك مكيال أو ميزان لوزن الحروف والجمل والعبارات، فنعرف وزن هذه الكتابة، وما إذا كان خفيفا أو ثقيلا؟!
ثم ما هو الجيد في الكتابة؟ هل هي الكتابة الخفيفة أم الكتابة الثقيلة؟!
وما الذي يريده القراء؟ هل الكتابة الخفيفة هي المطلوبة من قبلهم، أم الكتابة الثقيلة؟
الإجابة على هذه الأسئلة أصعب من عبور المحيط الأطلسي سباحة في شهر يناير، أو تفتيت جبال الأوراس بإبرة خياطة!
ولكن الاجتهاد في الاجابة مطلوب ومرغوب، بل وملزم لكل ذي عينين قارئتين ولسان ناطق والمهم في هذه الحالة هو الاجتهاد، وليس المهم الوصول إلى الاجابة النهائية التي قد يختلف عليها المرء مع نفسه، ناهيك عن خلافه مع غيره.
تقرأ كتابا ـ مثلا ـ فتمله من أول سطر، فتخادع ذاتك وتوهم نفسك بأنك غلطان ومخطئ، وما عليك إلا الاستمرار في القراءة، حتى تحمر عيناك وتتجمر حدقتاك ويتصبب عرقك وتصطك أسنانك وترتجف أوصالك ويحدودب ظهرك وتتقوس عظامك وتكبر أذناك وتتهدلا لتصير أقرب إلى «الأخطل الكبير»!
وبعد ذلك الهجوم المتوالي على أعضاء جسمك وتحولك من إنسان تام معافى عفي نشط قوي يمشي على زندك ثوران استراليان أو بقرتان هولنديتان، تكتشف أنك ما زلت في السطر الثاني من ذلك الكتاب السقيم العقيم المرذول الذميم، ثم تغيب عن الوعي غيابا كاملا، فلا تدري ما إذا كنت مع فريق «الاصلاحيين» الايرانيين، أم مع الثوار الايرلنديين، في المستشفى أنت، أم في ضيافة «كاسترو الأول»، يحيط بك أهل السيجار من كل صوب صويب، ومن كل حبيب لك نصيب!
فإذا كان حبيبك «كاسترو» أو «شاڤيز» رئيس ڤنزويلا الذي نصب نفسه رئيسا دائما على طريقة زعمائنا الثوار العرب، فابشر بالخير فهم كثر يحيطون بك إحاطة السوار بالمعصم، أو إحاطة النواب بوزراء الخدمات أما إن لم تكن من عشاق جماعة «كاسترو» وكنت من جماعتنا الليبراليين الامبرياليين خونة الأمة وخزنة النار، فسوف تجد نفسك محاطا بذوات الأردية البيضاء، ملائكة الرحمة، تقرأ عليك بقية الكتاب!
وفي هذه الحالة سوف تدعو مجلس الأمة إلى جلسة طارئة، وتستدعي الأعضاء الكرام من مهاجعهم الصيفية في «نيس» و«كان» و«جنيڤ» و«أبها» لمناقشة طلبك بـ«الموت الرحيم» الذي ستفضله على تتمة الكتاب الذي تسبب لك في هذه الحالة!
ماذا نسمي تلك الكتابة؟ هل هي خفيفة أم ثقيلة؟
قد يرى البعض أنها خفيفة وهايفة ومتهافتة ولا تستحق الحبر الذي أريق لكتابتها، لذلك سببت لك هذه الحالة التي أفضت إلى «الموت الرحيم»!
أما البعض الآخر فقد يرى أنها ثقيلة وأثقل من أكلك قبل النوم مباشرة خروفا نيئا كاملا بصوفه وقرنيه ومصارينه وكرشه وكوارعه، لذلك ولأن تلك الكتابة كانت ثقيلة إلى هذا الحد، فقد فعلت بك ما فعلت وقادتك إلى «الموت الرحيم»!
أما أنا ـ وأعوذ بالله من كلمة أما ـ فأرى أن هذا النوع من الكتابة هو اختراع بشري لتخفيف العبء عن كاهل كوكب الأرض الذي يشكو أقدام البشر التي تدوسه بلا رحمة، لذلك اخترع البشر هذا النوع من الكتابة لتقليل أعدادهم رحمة بكوكب الأرض المظلوم المكلوم!
المهم أن الكتابة، ثقيلة كانت أو خفيفة، هي أرحم كثيرا من متابعتك لجلسة واحدة من جلسات مجلس الأمة الموقر، أو خطاب مسؤول ذي بشت معطر وعقال مقصب وغترة منشاة ونعال «نجدية»، وهو يحدثك عن تحويل الكويت إلى «مركز مالي» و«مال الناس»!
-
أجمل الأخطاء..
-
الخطأ الذي لا تتراجع عنه.
المماليح
يقولون إن السياسة ملح الحياة، وانه لولا السياسة لكانت الحياة ماسخة لا طعم لها، مثل مواد «البطاقات التموينية»، أو مثل أكل المستشفيات الحكومية الذي يقدم للمريض طريح الفراش الحكومي، لا من أجل تغذيته ولكن لمساعدته على الشفاء المبكر والخروج المبكر من المستشفى، ليتسنى لإدارة المستشفى إعطاء الغرفة لـ «واحد من الربع»!
أما كيف يشفى المريض وهو جائع لا يأكل؟ فذلك لأن هذا المريض وقد استبد به الجوع وقطع مصارينه، فإنه في هذه الحالة ينسى مرضه، ولا يدري لماذا جاء إلى المستشفى، هل جاء ليتشافى من انسداد الشرايين، أم من التهاب رئوي، أم بسبب حمل كاذب؟!
ليس هذا هو المهم، لكن المهم ما بدأناه أعلى هذه المقالة، وهو أن السياسة ملح الحياة كما يقول البعض، فإن كان هذا الكلام صحيحا او شبه صحيح، فإنه عندنا ملح زائد، ملح يفسد الطبخة ولا يشجع أحدا على الاقتراب منها، وملحها أشد ملوحة من ملوحة البحر الميت!
أما من أفسد السياسة بكثرة الملح عندنا فهم السياسيون أنفسهم، لأن ساستنا او سياسيينا، ليسوا كالسياسيين في الدول الأخرى، بل هم هواة لا محترفون، يدخلون السياسة لا من اجل ممارسة السياسة، بل من أجل المال والوجاهة والحصانة وتعديل الأحوال. لذلك هم يدخلون المضمار السياسي حفاة عراة شعثا غبرا لا يمكلون «شروى نقير» ولا «سروج حمير»، ولكن العاطي، وهو في هذه الحالة حكومتنا الرشيدة، التي تدق الأبواب في الليل البهيم لتوزع الهبات والعطايا على السادة الشعث الغبر الحفاة العراة، دون ان يحس بصدقاتها أحد منا نحن «الشعب العظيم»، بل إن حتى يسارها لا تدري بما أنفقت يمينها.
سياسيونا «مماليح»، ولو تعرض الواحد منهم لرشة ماء، فإنه يسيح ويتحلل سريعا!
قابلون للذوبان حتى من الحر والرطوبة، فإن وجدت سياسيا كويتيا، فإن الواجب الوطني يقتضي أن تهف أو تهفهف عليه حتى لا يعرق فيذوب أمام عينيك، وبالتالي تخسر البلاد عنصرا «مالحا» يمكن الاستفادة منه في الطبخ والسلطة، أو لرفع الضغط!
-
الفقراء..
-
صنعوا فقرهم وغنى الأغنياء.
«أصالة» و«أخوها»
نحن سكان كوكب الأرض العربية المعاصرين، علينا أن نتذكر أنه مهما أوتينا من قوة تهد الجبال وتجفف «الأهوار» والمحيطات ونسقط الطائرات بالدعاء الصالح والقول الفالح علينا أن نتذكر أننا ضحايا مغنية اسمها «أصالة»، فهي مثل الموت، تدركك ولو كنت في بروج مشيدة، وهي فعلا أدركتنا نحن عربان هذا العصر، رغم أننا قابعون في بروجنا المشيدة، والتي اخترقتها «أصالة» بـ «أصالة» وبسالة وبقي أن ننتظر شقيقها الموت، أو ربما لا ننتظر لأن أخته أصالة قد تتكفل بالمهمة وتريح أخاها من مهمته!
أصالة في علم الأصوات، تنتمي إلى الفصيلة القطارية، وصوتها يشبه احتكاك الحديد بالحديد وما ينتج عنه من «موسيقى» وإذا كان القطار بحاجة لإطلاق صافرته لغرض التنبيه، فإن أصالة بما حباها الله من صوت يخترق البروج المشيدة ليست بحاجة لإطلاق صافرة للتنبيه، فصوتها جمع صوت احتكاك الحديد بالحديد بصوت الصافرة.
طبعا وبالطبع وبالتأكيد، إن أصالة ليست فريدة عصرها بتلك المواهب الصوتية الخارقة، بل ان جل زميلاتها من مغنيات هذا الزمان يشاركنها تلك المواصفات الخاصة، أو ربما تتفوق بعضهن عليها، والمنافسة بينهن على أشدها، وقائمة على قدرة كل واحدة منهن على اختراق البروج المشيدة! ويقال ان احداهن اخترقت أحد الحصون المعدة لتفادي الحروب النووية، وانها بذلك تفوقت على القنابل الذرية والنووية، واستحقت على ذلك الانجاز، جائزة نوبل للغناء العربي، والتي تمنح للمغنية الأكثر اختراقا للحصون والبروج المشيدة!
وهناك فريق آخر من مغنيي هذا الزمان ومغنياته، يمأمئون وينونوون، كالماعز والقط، ولهم اسهامات مشهودة في تنمية قطاع «الثروة الحيوانية»!
-
حدق في المرآة ملياً..
-
فربما تجد من تبحث عنه.
شعر الأغنام
العبث بالشعر كالعبث بدساتير البلدان وقوانينها.
وإذا كان الدستور أبا القوانين كما يعرف فإن الشعر أبو الدستور.
للشعر قوانينه الصارمة والدقيقة والحازمة، وهو أيضا أبو الأدب وديوان العرب، وكانت تعقد له ـ في قديم الزمان العربي ـ المنتديات والأسواق، ويتبارى الشعراء فيبرز بينهم المميز والمجود والباهر.
ولكن يد الإثم والعدوان الطويلة، جدا، امتدت إليه لتعبث به وتعيث فيه فسادا، فخلطت مالح بحره بحلو نهره، فلم نعد نميز من أي بحر تلك السمكة الشعرية، ولم نعد نعرف أمن صيد البحر هي أم من صيد النهر؟!
سمكة ماسخة لا طعم لها، تشبه في مساختها مذيعة فضائية مزركشة!
وأنا على يقين أن المتنبي لو عاش في عصرنا هذا لما كتب له أن يكون المتنبي الشاعر الذي «نظر الأعمى إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم» لأن المتنبي سيعجز عن مجاراة شعر هذه الأيام، وشعراء هذا الزمان الذين تضج بهم الجمعيات التعاونية، والأسواق الشعبية، ومحطات البنزين، وجمعيات النفع العام، ومحطة الشعيبة الصناعية، والمطاعم الدوارة، و«سوق واجف»، و«سوق المقاصيص»، و«سوق الجوت»!
شعراء يتناثرون في كل مكين ومكان، يوزعون بطاقاتهم الشخصية وصورهم اكثر مما يوزعون قصائدهم، والتي يقال ان أكثر مستهلكيها هي أغنامهم البيتية، التي أدمنت هذا النوع من الشعر الشعيري، حتى ان حليبها يجعل شاربه يشعر بأن هذا الحليب «بلا زبدة»، وصارت هذه الأغنام تمأمئ شعرا، ولا نستبعد مستقبلا أن يقام سوق عكاظ أو شاعر المليون في سوق الغنم، لتقدم كل عنز ما عندها من شعر، وستنوب كل عنز عن صاحبها الشاعر لتقرأ شعره الذي «يجري في دمها» وفي أمعائها وتدره حليبا ومأمأة!
-
كتبت إليه تقول:
-
رسائلي إليك.. طفلات تبحث عن مأوى.