صالح الشايجي
قد لا يكون جديدا أو مفاجئا أو صادما لنا حادث «محطة مشرف»، وما نجم عنه من كارثة حارثة للبشر والحجر والماء والهواء وعلينا أن نتوقع الأدهى والأمر وأسوأ الأسوأ، فنحن في ظل وضع يتيح للسيئات والمسيئات أن تحل على رؤوسنا وتتجول في بلادنا وبين بيوتنا وحتى داخلها، دون أن ينبس أحد منا ببنت شفة، أو يقول لها «رايحة فين يا شاطرة»؟!
نحن شعب ينام مبكرا ويصحو متأخرا، ولا يطبق الحكمة الصحية القائلة «نام بكير واصحى بكير، وشوف الصحة كيف بتصير» لذلك فإن صحتنا ليست على ما يرام، وقدرتنا على الاحساس بالداهية والمصيبة والكارثة ضعيفة وربما معدومة، أما حكومتنا فإن حالتها الصحية أسوأ من حالتنا، فهي في حالة سبات دائم، يسمى أحيانا السبات الصيفي، وأحيانا الرمضاني، وغدا ستدخل في سبات العيد، وهكذا دواليك وحواليك حكومة نامت ولم تفق لا على كارثة مشرف ولا على كوارث أخرى قادمة على جناح، وتسعى على قدم!
أما مجلس الأمة فإن أمر هذه الكارثة القاتلة الماحقة التي سممت المــاء والهواء لا يعنيه البتة، ولا يرى في الأمر غير أنه «قضــاء وقدر» ويجـــوز اعــــرابه على وجهـــين. لأن مجلســـنا الموقر منــشغل عن الكوارث بالتوافه والصغائر، ومشغول بمطــاردة الوزير «هلال الساير» محملا إياه مسؤولية «انفلونزا الخنازير» ولماذا لم يعمل على منعها؟ لاسيما أن «الخنازير» ملعونة ومحرمة، فكيف سمح لها الساير بالدخول إلى البلاد التي حصنها المجلس الموقر من «الخنازير» والموبقات كلها صغائرها وكبائرها؟!
وقد يكون في قولي إن الحكومة في سبات دائم بعض المبالغة، لأنها أحيانا تصحو لتنفي ثم تنام لتصحو فتنفي من جديد فهي حكومة متخصصة بالنفي، وليست من حكومة على الأرض ولا في الكواكب الأخرى تنافسها في خاصية النفي!
يقع حادث مروري، فتخرج جحافل وزارة الداخلية مشرعة سلاح النفي، تتأخر إحدى الجمعيات التعاونية في فتح أبوابها فتجيش وزارة الشؤون جيوشها وترسلها إلى ميدان «النفي»، تشتعل الحرائق في مواقع نفطية فتبتسم وزارة النفط وهي تنفي وهكذا فإن لكل وزارة من النفي نصيبا!
حكومة تتبارى في النفي ولا تملك جرأة الاعتراف بالتقصير، ثم العمل على إزالة القصور والتراخي والتسيب، لأن ذلك الأمر يتطلب قدرات تفتقدها الحكومة، والنفي أسهل كثيرا وأيسر، ولها إليه سبيل مهدته وزارة الأشغال وعبدته ورصفته، وقامت وزارة الكهرباء و«الماء» بإنارته، ورصت وزارة الإعلام على جانبيه الميكرفونات والسماعات لتسهيل مهمة الحكومة بالنفي المبكر، حتى انه كثيرا ما تقوم الحكومة بالنفي قبل وقوع الحدث!