لا نريد السير وراء خيوط سراب وهمي يتراءى لنا ماء يطفئ الظمأ، بينما هو سراب أضنانا في السير وراءه، ثم لا شيء.
نبالغ كثيرا في التعويل على دور التنويريين والمثقفين والحكماء في حل ما نحن فيه من أزمات ومن حروب قائمة على الهوية وبالذات الهوية الدينية والمذهبية.
نشر أحد الإخوة المصريين حوارا دار بينه وبين عامل مسلم في محل بيع الألبان، ثمرة هذا الحوار، أن هذا العامل البسيط الذي ينتمي إلى قرية صعيدية يكثر فيها الاخوة المسيحيون يحمل كراهية وصلت حدا بالغا من الشر ضد المسيحيين سكان قريته ونيته «تطهير» القرية منهم!
وعلى هذا المنوال مواويل وقصص وحكايات وروايات تفوق روايات «ألف ليلة وليلة» فهي هناك في مصر طرفاها مسلم ومسيحي وفي العراق ودول أخرى طرفاها سني وشيعي، وبينما كان في السابق يسيطر نوع من الخجل على أولئك المتطرفين فلا يفصحون عما في نفوسهم ضد مواطنهم الآخر المخالف لهم بالديانة أو المذهب، صار الأمر الآن علنيا، فلا خجل ولا خوف، بل إن العكس بات صحيحا تماما، وصار الاعلان ضد الآخر نوعا من التباهي والمجد والبطولة، ألسنا نراهم يحملون السلاح ضد بعضهم، كل منهم يتمنطق بمذهبه ليقتل الآخر؟!
والأمور تجاوزت العامل الأميّ البسيط ورجل الشارع، لتصل إلى الكبار ومن لهم وجوه فقدت عرق الحياء لتخرج على الناس من فوق المنابر ومن شاشات التلفزيون تلوك بكل صلف الكلام المذهبي الطائفي البغيض.
من أجل تصحيح هذا الاعوجاج البشع المدمر، فإن الأمر لا يحتاج مستنيرين ومثقفين وحكماء لتعديل ذاك الاعوجاج والتفكير المدمر لدى أولئك الغوغاء والدهماء والبسطاء من عامة الناس المشحونين بالكراهية لمخالفهم الديني أو المذهبي، لأنه لا توجد لغة مشتركة بين هذا المستنير والمثقف والحكيم وبين ذلك الجاهل السطحي، ولو قدر لهؤلاء البسطاء فهم فكر هؤلاء المستنيرين، ما كانوا انزلقوا الى ذاك المنحدر الكريه.
أما من عليهم معالجة الأمور، فهم أولئك الذين دغدغوا مشاعر هؤلاء البسطاء وغذوا روح الكراهية والتطرف فيهم ومن ساقوهم سوق القطيع إلى حظيرة الكراهية والتحزب والانفرادية.
وهؤلاء المضللون معروفون ولهم حضورهم اليومي والكثير من التبجيلات، تنحني لهم رؤوس وتمتد لأيديهم شفاه تتبرك بتقبيلها، فأولئك هم «من أشعل النيران ومن يطفيها» !!
[email protected]