مللت ـ يا سيدتي ـ عروبتي..
خلعت رداءها.. نفضت عن عقلي غبار سنواتها الطويلات وعقودها المتلاحقات وقرونها الممتدّات..
لست أرجمها وأنا ابن رحمها.. ولا أتبرأ منها.. ولست أتنكر لها..
ولكنني أتشافى من سياط ساطتني بها عمرا.. ومن تاريخ كتبه الكاذبون وقرأته وحفظته وآمنت به.. وكدت أصلّي بكلماته لكلماته..
أن يأتي الوعي متأخرا.. خيرٌ من ألاّ يأتي..
وجاء هذا الوعي متأخرا.. بعدما شاب ما فوق الرأس وكاد الظهر ينحني..
كنت أراها نبيّة مغسولة بعسل السماء.. لا تكذب.. لا تخطئ.. لا تتجنّى.. لا تنهزم..
كأنها بنت السماء.. ترعاها أمها من علٍ وتدبّر شؤونها وترسم لها خطواتها.. فلا تتعثر.. ولا تتنكب واعرات الدروب..
سهلٌ أخضر ممتد ملء العيون.. وأزاهير وأقطاف دانية..
أراها في طهر الأمّ وقداسة الراهبة وتقوى المصلية..
لم أكن أقول سوى آمين..
هي أمّ الكون..
آمين..
رسولة البشريّة..
آمين..
هي الحرة والبقية عبيد وجوارٍ وإماء..
آمين..
هي الخالدة.. وهم الفانون..
آمين..
أمّنت وآمنت وأمِنت..
اقتتّ على زاد حروفها.. وطعمت كلامها.. ورقصت على أشعارها.. واعتليت صهوات خيولها.. وشهرت سيفي من فوق ذات صهوة..
حاربت من أجلها وحوربت.. وكنت أنتصر ـ واهما ـ وأنا المهزوم..
كانت الهزيمة ـ في سبيلها ـ نصرا..
والكذب ـ من أجلها ـ صدقا..
أعلن يا ملأ.. توبتي.. من عروبتي.. ومن أوهامي وأحلامي وغوايتي..
بعدما طُعنت بسيفها.. وحملوا نعشي.. وألقوا بي للضواري تقتات على لحمي العربي..
بعدما قالوا لي.. كي تكون عربيّا صادق العروبة.. هاك سيفا حُزّ به رأس أخيك..
وهاك خيلا.. اغزُ بها بيت أخيك.. اسبِ حرائره وبعهنّ في سوق النخاسة..
بعدما صارت «طهران» هي التي تصدر صكوك العروبة..
وتغيّر قِبلة المصلين.. وتجعل للحجاج كعبة أخرى..
بعدما صار «الوليّ الفقيه» وارث الخلافة وإمام المسلمين.. ترد إليه الأفواج من كل فجّ عميق..!
بعدما صار «العربيّ الحسينيّ القرشيّ».. يتباهى بتبعيته لـ «الوليّ الفقيه»..
بعدما صار حرق البلدان.. زلفى وتقربا لـ «الوليّ الفقيه».. وبعدما صارت الجنة بيمناه..والنار بيسراه..!
بعدما صارت عروبتنا إرثا يتقاسمه «الخليفة العثماني» الجديد و«الوليّ الفقيه»..
وصارت مصائرنا تحددها «دار كسرى» و«الأستانة»..!
فماذا تبقى لنا من عروبتنا.. غير أشعارها وأوراق شعرائها..وصهيل خيول ماتت في سوح الوغى!
[email protected]