من نكد دنيانا «لا دنيا أبي الطيب المتنبي» ومن نكد زماننا هذا، وجود
ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي
كـ «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما مما لا أعرف. فتلك المواقع، في أغلب ما تحوي هي مسارح كذب ومهاترات وسفاهات وتفاهات وعداوات، وميادين فتنة وقتل وذبح.
إنها مرايا لنفسيات بعض مستخدميها، من الذين ضلوا طرق الخير والجمال في الحياة، فلم يروا إلا القبيح والمستنكر والمستنكف في هذه الحياة، فتربّى الحقد في قلوبهم وتغلغل في شرايينهم، وسار الكذب وحب الفتنة مسرى الدماء في أجسادهم.
مرضى بالكراهية والعداء والكذب وموات الضمير، ولم يجدوا ما يعالجون به أمراضهم سوى بث سمومهم وبعض من أمراضهم تلك على صفحات التواصل الاجتماعي.
تنبه بعض الخبثاء إلى وجود أولئك الموتورين الأغبياء في تلك المواقع، فصاروا يختلقون أخبارا كاذبة هم يصنعونها، ويقومون بنسبتها إلى إحدى الجهات الإخبارية المعروفة، فيلتقطها أولئك الموتورون ليتحلقوا حولها ويقيموا مجالس العزاء والندب أو الشتم والاستهزاء، ويجد فيها البعض فرصة لبث الفتنة، فيشحذوا سيوفهم مقبلين على ساحة حرب لا تبقي ولا تذر!!
تختلف دولتان على موقف بسيط وعادي، لا يسبب أي نزاع بين الدولتين، لكن سرعان ما تشهر سيوف العداوة من هذا الفريق وذاك الفريق، وتنشب حرب سباب وشتائم ومعايرة ومكابرة بين الفريقين، وكأنما الدولتان في حالة حرب فعلية، وكأنما الجيوش التحمت والطائرات حلقت والمدافع انطلقت.
لقد كشفت هذه المواقع، التي أتاحت لكل الناس الفرصة للتعبير عن آرائها والإدلاء بدلوها، عن نفسيات مريضة وعقول سقيمة، ما كنا ندري عن وجودها في هذه الحياة، قبل أن نعرف تلك المواقع التواصلية التي أرخصت بالرأي وتدنت بالفكر وسفهت العلم وازدرت العلماء.
إنها جيوش الجهل تغزو عالمنا، وتنكد علينا حياتنا وتحرمنا من هنائنا، وهي جيوش الغل الأسود التي لا تطرف أعينها لموت أو كارثة أو مصيبة، بل تجدها فرصة لتسعير النار واشتداد أوارها، والرقص حول ما تخلفه من جثث محترقة متفحمة.
إن كان نكد دنيا المتنبي، «في رؤية المرء عدوا له ما من صداقته بد»، فإن نكد دنيانا أدهى وأمر.
[email protected]