أغمض عينا وافتح أخرى، أغمض عين الرضا وانظر بعين السخط، أغمض العين المادحة وافتح العين القادحة.
تقصّد العور ولو كنت ذا عينين مبصرتين سليمتين ثاقبتين.
بحكم وجودي خارج الكويت، فإن حنينا جارفا إليها يجعلها لا تبرح أحاسيسي ولا ذاكرتي، وأنا الذي لي فيها مالي، وأقل مالي فيها، تلك العقود من السنين التي تراكمت فوق بعضها.
هي بلادي وهي أرضي، هي طفولتي وصباي وشبابي وهي شيخوختي وهي قبري، هي بيتي وولدي، وهي أكثر من ذا وأكثر.
لست بذلك أتغزل في بلادي، ولكنما أبدي بعض ما يخالجني وينز الحزن في قلبي ويثير الأسى في نفسي، وأنا أرى أن عيون السخط في بلادي هي المفتوحة وعيون الرضا كليلة معطلة بتعمد وتقصد.
جوانب الجمال وشواهده، لا ذكر لها ولا ترد على ألسنة المتحاورين والمتحدثين والخطباء والناشطين والخاملين، وبالذات في هذه الأيام التي يتصارع فيها المتبرمون على بلوغ المقعد البرلماني.
كل يتحدث عن القبح والبشاعة والدمامة في وجه بلادي، وكأنها قد غدت عرجونا قديما يابسا متكسرا!
لماذا أغلقوا عين الرضا ونظروا بعين السخط، وفي السخط يطول الحديث ويزيد، أما عن الرضا فلا تحدثني، لأن الجمهور لا يطرب لحديث الرضا.
هذا لا يعني أن شوارع بلادي مزهوة بورودها وأزهارها وبالأطيار المغردة كل شروق وعند كل مغيب، ولا أن منتدياتها ومسارحها ودور الموسيقى فيها، في كل جمعية تعاونية.
ولكن لست بصدد هذا، إنما أنا بصدد غرس روح الجمال والرضا، فإذا ذكرنا «الشينة» مرة فعلينا ذكر «الزينة» عشر مرات، لنساهم في دحر القبح وإقصائه أو على الأقل التقليل من وجوده.
ومثلما في بلادي قبيح كثير ففيها جميل أكثر.
لا أدعو إلى التوقف عن النقد ولا إلى بتر الأصبع الذي يشير إلى الخلل والتقصير، ولكنما أطلب أن يأخذ ما يستحق المدح والإشادة حقه على ألسنة نقلة الأخبار ورواتها، والحديث عن الجمال يجمل من يتحدث عنه، مثلما الحديث عن القبح يقبح من يتحدث عنه.
توقفوا عن هذا التبرم والتذمر والسخط، وافتحوا عيون الرضا قبل عيون السخط، وتلك هي الوطنية.
[email protected]