-
برحيل الروح يتحول الجسد إلى ركام زائد عن حاجة الأرض
-
اهجروا البلاد واتركوها لـ «الجمبازية» و«مفسري الأحلام»
-
اليهود لم يستطيعوا انـتزاع الجنسية اللبنانية عن «الـتبولة»
-
«الصوت» فن مغرٍ بدأ يضيع بين أيدي الهواة والجهلاء
زرعت بين كل عشبة وعشبة حرفا..
نمت الأعشاب وماتت الحروف..
موت الراقصة
سأموت بين عامي 2011 و2013!
آسف، لا اقصد الفجاعية ولا الفجائية، بهذا الاستهلال القاتم، ولا اقصد استدراجكم الى مصيدة حروفي اللاحقة، فأنا لا أنصب شباكا ولا فخاخا ناعمة ولا متفجرة، ولا اعمد الى الاثارة لهاثا وراء نفوس تتعطش الى الفضائح وتجلها وتزينها برتوش من ذهب مغسول.
الامر لا يتعدى رؤيا رأيتها قبل عام، تنبئني بان موتي سيكون بين ذينك العامين، وقد تصدق الرؤيا أو انها تعكس ما يدور في عقلي الباطن.
صحوت من نومي في اثر تلك الرؤيا، ولم تستغرقني تفكيرا حينها، بل عدت الى سراب النوم الثقيل، وربما حلمت احلاما اخرى.
لم اجزع للقرع المبكر لجرس الموت، ولذلك الانذار الذي ايقظني من سباتي الجميل، واخذت امر الرؤيا على محمل التصديق، وان كنت اتمنى ـ بكل تأكيد ـ ان تكذب، وان تكون من تلاوين الرؤى والاحلام السرابية التي تلـــعب جــــــيئة وذهابا وطيرانا وسباحة في رأس الـــــنائم، ولا تقف عند حد.
لست ارى في موتي كارثة لي ولا لاحد غيـــــري، فلست خيرا ممن ماتوا ســــواء من الذين اعرفهم او الذيـــــن لا اعرفهم ولكن اعرف فضلــهم على الدنيا التي انا احــــد عشـــــاقها والمغتســـلين بأنســـها والراقصــــين في اعراســـها الكثيرة.
الموت، جسد يخلو من محرك، يخرس الجسد لان الروح فارقته، فيضحي ركاما زائدا عن حاجة الارض.
تموت الجميلة، فيتحسر عشاقها على موتها الذي حرمهم منها.
يموت البطل، فيبكي الجبناء لأنهم اضحوا بلا ظهر وبلا حماية.
يموت الزعيم، فيبكي الرعاع والسادرون وراء اوهام الظل.
تموت الراقصة، فينتحر الطبال.
يموت الاب، فيذرف الابناء دمعا مؤقتا حتى يتم توزيع الارث.
الموت لا يغسل ادران الخطائين، ولا يحول الشياطين الى ملائكة مطهرة، ولا يحول الجبناء ابطالا، ولا البخلاء اسخياء، ولا يبرئ القتلة، ولا يعلو بقدر الاراذل.
كل يموت على شاكلته في الحياة.
وانا ان مت، فسأموت على ما انا عليه في حياتي، وانصح من يكرهني ان يظل على كرهه لي ولا يحول موقفه مني او رأيه فيّ بعد ان اموت، وان ينسى المقولة المتداولة «اذكروا محاسن موتاكم»، لان الموت لن يضيف لي حسنات، كما انني لن اقترف حسنات بعد موتي.
وارجو عدم الترحم علي، بل ارجو من يكرهني واقول له: زدني كرها لي كما لو كنتُ حيا والْعنّي كل يوم كما كنت تفعل اثناء حياتي، ولا تعتقد انك تخلصت من شروري بعد موتي، فالاشرار يتناسلون ويتكاثرون وجميعهم من صلب واحد، فإن كنت تراني منهم فابق على موقفك ولا يجعلنّك الموت تحيد عن طريق الكره.
عشت حياتي لنفسي، لم ازرع شجرة ليأكل منها غيري، ولم افك رقبة، ولم احشُ فماً جائعا، ولم اشعل على دروب الحياة سراجا واحدا.
فيايها الخلق الذين تعرفونني لا تدّعوا غير ذلك، ولا تجعلوا فيّ ما لم يكن من خصالي.
يكفي انني اخذت من الحياة ما اشتهي، واغدقت عليّ كثيرا مما لا اشتهي.
-
جعلت من صدري مرفأ لدموعك
فاذرفي.. ولا تسرفي، لا تغرقي المرفأ..
العيّار و«طايح الحظ»
ان كنتَ كويتيا شاطرا لهلوبا فهلويا عيّارا جمبازيا، فأنت أسعد خلق الله طراً، فلن ينافسك على حظك الذي «يكسّر الصخر» ويفتت القمر، ويحلب الثور، ويأكل بيضة الديك، احد في شرق الارض أو غربها ولا شمالها ولا جنوبها!
المهم ان تكون كويتيا وتعيش بين اهلك واصحابك وبني جلدتك وعشيرتك وبني عمتك وخالتك.. لتكون ذلك السعيد.
أما سبب سعادتك الفائقة الوصف والعابرة الحدود، فهو انك لن تتعطل ولن تتبطل وسيهبط عليك الدينار اينما حللت اهلا ورحلت سهلا.
فيكفي ان تكون كويتيا متمتعا بالمواصفات والمقاييس السابقة الشطارة والعيارة والفهلوة، لينفتح لك باب الرزق الواسع، وستغرف من اموال الدنيا ما لم ينله «قارون» في زمانه، ولا «بل غيتس» في زماننا.
أما خارطة الطريق لذلك الغنى الفاحش على رقبتك والمؤطِّر صبحك وضحاك وعصرك ومساك، والمعطِّر بشتك ودشداشتك و«المكسّر» وبقية ما تلبس، فهي التزامك السير على الطريق المستقيم الذي توضحه لك تلك الخارطة، ولا تحيد عنه قيد أنملة.
السر يكمن في الاستغفال والاستهبال والاستعباط للجمهور العريض الذي سيسكب عليك تلك الخيرات ويجعلك بين طرفة عين وانتباهتها، عينا من أعيان البلاد ووجيها من وجهائها، وانسانا مشهورا يشار اليك بالبنان «الخنصر» وإن لم يكف فثمة بنان آخر مدخر لـ «يوم كريهة وسداد ثغر».
ما عليك يا سيدي الكويتي الشاطر العيار، سوى ان تكون مفسرا للاحلام، أو واعظا على «العواير» التلفزيونية، وما اكثرها من «عواير» تعوّر ولا تداوي، ولكنها لن «تعورك» أنت، لأنك عيار أصلا و«تعوّر» ولا «تتعوّر»!
اما ان وجدت فضاء «تفسير الاحلام» قد امتلأ وفاض عن حده وانقلب ضده، ومثله فضاء «الوعظ»، فثمة فضاء آخر التحم به واقتحم ساحته غير هيّاب ولا ريّاب ولا مرتاب، وما عليك الا ان تحمل قلب تيس متقاعد أو أسد خائر القوى منتهي الصلاحية، واقتحم عالم «الفلك» فهو عالم واسع فضفاض وله ابواب مشرعة على الجهات كلها، فادخله وانت مطمئن وقم بتفسير الظواهر الفلكية والسلكية واللاسلكية، واغرف مما تزخر به شاشات الانترنت وشبكاته، وبعها على قومك بسعر الذهب.
وستحقق بذلك جاها ووجاهة وستنشر الصحف صورتك قبل نبوءاتك الفلكية والسلكية واللاسلكية وبعدها.
وان كنت حاصلا على درجة عليا في «الجمبزة» و«العيارة» فقد تتحول الى متنبئ وضارب ودع و«كتات فال» تنبئ العاقر عن حملها القريب، والمطلقة عن عودة زوجها لها قريبا وهو منكّس الرأس يزحف زحف سكان «تورابورا»! وطبعا لن يتم المراد ولن تحمل العاقر ولن يعود زوج المطلقة منكس الرأس، الا بعد «المعلوم» و«المقسوم» ويكفيك «المعلوم» و«المقسوم» للدخول في قائمة «فوربس» الخاصة بالاغنياء واصحاب الثروات المليارية.
أما ان كنت كويتيا «طايح حظ» مثلي، لا تملك اساليب «العيارة» ولا «الشطارة»، وتصدق اشارات المرور وخطوط العرض والطول في الشوارع، وتلتزم بإرشادات حملة «ترشيد»، وتكتفي بـ «المهفة» و«سراج بوفتيلة» وتشاهد تلفزيون الكويت باستمرار، وتعتبر ذلك واجبا وطنيا، وتؤمن بـ «ديموقراطيتنا» و«دستورنا» وان الخير «بقبال»، وانها «أزمة وتعدي»، وان «الكويت مركز مالي» حقيقة لا حلم، وان التعليم سيتطور بفضل الحبيب «توني بلير»، وان وزارة الصحة تعد خطة هجومية شاملة على مكتب لندن الصحي، وانها في طريق الانقضاض عليه وتحريره، قبل ان يتمكن الجيش اليمني من تحرير «صعدة» والقضاء على «الحوثيين»!
ان كنت كذلك فما عليك سوى ان تفعل فعلي وفعل كل كويتي «طايح حظ» وتهجر البلاد وتتركها لـ «العيايرة» و«الجمبازية»، و«مشايخ الصحوة» و«مفسري الاحلام» و«باعة الاعشاب»!
-
الكويتيون إخوة في المصائب وبـ «بنك وربة».
بين «فضالة» و«دوخي»
بين قائل ان فن «الصوت» فن كويتي، وان «عبدالله الفرج» الفنان والشاعر الموسر، هو الذي ابتدعه واول من لحن على ايقاعه، وقائل انه فن بحريني، يستمر الجدل والاجــــتهاد حول هوية الصــــوت وجنـــسيته وانتمـــــائه وعروقه وهل شربت من «عين عـــــذاري» ام من عيون «المنـــقف» و«بوحليفة»!
التنازع لإثبات هوية المكتسب طبيعة انسانية، عرفتها البشرية منذ القدم، وهي في كل الاحوال، لا تقدم ولا تؤخر ولا تزحزح الواقع ولا تزعزعه.
التبولة والحمص والمتبل، أطباق تركية، ولكنها الآن معروفة ومشهورة بهويتها اللبنانية، وحملت بكل اقتدار جنسية المطبخ اللبناني.
اليهود احتلوا الجنوب اللبناني عشرين عاما، ولكنهم لم يستطيعوا انتزاع الجنسية اللبنانية عن «التبولة» وصويحباتها بنات المطبخ اللبناني.
نعود الى الصوت الذي لا تعنينا هويته وما اذا كان بحرينيا او كويتيا، ولكن جل ما يعنينا منه، انه فن جمــــيل ومن اكثر فنون الغــــناء طربا وتطريبا وموســــقة وايقـــــاعا، ولكن الظلم لحق هذا الفـــن الجميل وشـــوهه وألحق به من المصــــيبات والرزايا ما لم يلحق بالأفــــغان على أيدي «طالبان».
الصوت فن مغر لكل محب للغناء وهاو له، وبما انه فن جميل وسهل، فقد ظن الهواة ان اعتلاء سنامه امر يسير وان بامكانهم فعل ذلك او اقتراف تلك الجرائم المتتالية على مسامعنا كلما سمعنا صوتا من تلك الاصوات.
الصوت على رغم سهولته وجماله، فهو تنطبق عليه مقولة «السهل الممتنع» فهو غدار وصعب، وان كان مظهره ناعما وسلسا، وليس كل دقاق عود قادرا على غنائه او تناوله، فهو الى جانب تعدد سلالمه الموسيقية وجمله الصعبة التي تحتاج صوتا معبرا قادرا على ارتقاء تلك السلالم باقتدار، يحتاج الى فهم واستيعاب كاملين لمعاني الكلمات التي يؤديها مؤدي الصوت ومغنيه، والى لفظها بصورتها السليمة والصحيحة، ونطقها مشكولة تشكيلا صحيحا، حيث نلاحظ ان كثيرين ممن يغنون الاصوات لا يعرفون معاني الكلمات التي يغنونها، لذلك هم ينطقونها بصورة غير صحيحة مع خطأ واضح في التشكيل، مما يفقدها معانيها، لاسيما ان هذه الاشعار المغناة هي لكبار شعراء العربية في عصورها كلها ابتداء من العصر الجاهلي ومرورا بالعصــــور كافة حتى شعرائنا المـــــتأخرين كبشارة الخوري واحـــمد شوقي وفهد العــسكر وغيرهم.
وحتى لا يضيع هذا الفن الجميل على ايدي الهواة والجهلاء، فأرجو ممن بيدهم حل الغناء وعقده، اعادة النظر فيما يذاع من اغاني الصوت، فأكثر ما يذاع غث ومتهتك وباهت وفاشل ولا يمت للصوت الاصلي بأدنى صلة، سواء من حيث امكانات المؤدي الصوتية او من حيث العبث المخجل بمعاني كلماته والجهل بنطـــقها بصورتها السليمة.
وللمناسبة فإن افضل عاشقي الصوت، هو الفنان المرحوم «عوض دوخي» وكان كثير التأثر بالفنان البحريني «محمد فارس» والذي يعتبر من رواد «الصوت» وكــان «عوض» يسجل صوت «على دمع عيني من فراقك ناظر» وهو من عيــــون الشعر العربي، وكان يغنيه «محمد فارس» وكان عوض يلفـــــظ كلمة «دمع» مضمومة، فتدخل الفنان المرحوم «عبــــدالله فضالة» ليصحح له طريقة نطق كلمة «دمع» حيث تكون بالكسرة لا بالضمة! فما كان من «عوض» الا ان رد على الفضالة بقوله: وهل انت ستــعرف اكثر من محمد فارس؟! وذلك لان «محمد فارس» كـــــان ينطقها مضمومة، ولتأثـر «عوض» بمحمد فـــارس فإنه نقــل عنه حرفيا حتى الخطأ.