سوق النساء، غُلّقت أبوابه، وما عادت النساء جواري يُعرضن في سوق النخاسة للفرجة والبيع.
والنخاسون مضوا إلى حال سبيلهم، طمرهم الزمن، وانتهوا إلى قبور موغلة في الأرض وفي الزمن.
الكاتبة السورية الآفلة شمسها منذ زمن النخاسة «غادة السمّان» تعيش في وادٍ غير ذا الوادي، تعيش مازالت في زمن النخاسة والجواري والإماء والعبيد.
ما زالت ترى أن المرأة سلعة قابلة للتعاطي، رغم تغيّر الأزمنة، وتبدل الناس وأحوالهم.
ترى نفسها كامرأة، تفاحة مشتهاة معلقة أعلى الشجرة، تمر أعين الرجال من تحتها فتتعلق بها قلوبهم، وهي التفاحة العصية على الآكلين، تُشتهى، ولا تَشتهي.
الجائع الآكل يَشتهي، أمّا المأكول فلا يشتهي آكلَه.
غاصت غادة السمان في دماء الموتى وجرشت عظامهم كي تبقى حية.
قبل سنوات، وبعد وفاة الكاتب الفلسطيني «غسان كنفاني»، نشرت ما ادعت أنها رسائله إليها، كتبها هياما بها، وهي لم تعره كلمة واحدة ولا حتى شبه التفاتة، هي التفاحة وهو الجائع النهم!!
ومن جديد، وبعد وفاة الشاعر والكاتب اللبناني «أنسي الحاج»، كررت الفعل ذاته.
اجترار الموتى وجرش عظامهم من أجل البقاء رهن الصورة ومن أجل الاصطباغ ببريق كاذب للفت الأنظار، هو نقيصة إنسانية، وعار وعر يلطخ صاحبه ويهينه.
فإن كانت الفاعلة امرأة، فهي تقر بأنها جارية معروضة للبيع في سوق النخاسة عارية بلا ضمير ساتر ولا مستتر.
رسائل الرجال العاشقين إلى النساء المعشوقات، والعكس أيضا، فعل اعتادته الحياة، ولا غرابة في بث عواطف العشق على ورق، ولكن الذي لا يليق هو نشر هذا الخاص على شاشة من أجل أن يراه الآخرون.
لم تكن كلمات غسان، ولا أنسي إلى غادة، اعترافات مجرمين لتتاح للكافة قراءتها، بل هي من أخص الخصوصيات، هي عواطف وأحاسيس رجل تجاه امرأة محددة ومعروفة العنوان، من وإلى، من خاص إلى خاص، ولم تكن من خاص إلى عام.
والأديب الشاعر الكاتب، حينما يكتب كتابة شخصية، فله أسلوبه الخاص، وحين يكتب للنشر يتلبسه زي الأدب فيكتب بأسلوب الأديب الشاعر الكاتب، وذلك ما لا تدركه غادة السمان، فهي في سبيل أن تضخ الدماء في جسدها الراهن الواهن، راحت تنشر الخاص والشخصي، فأساءت للكاتبين إساءتين، إساءة أهانت فيها عواطفهما وأحاسيسهما، وإساءة أهانت فيها أدبهما وأسلوبهما في الكتابة الأدبية.
أما إساءتُها لنفسها، فذلك ما سعت هي إليه، وبذلك تفخر!!
[email protected]