ثلاثة وخمسون عاما وتلك البيضاء الممشوقة الحارقة قلبي، تعيش فيّ ولم تبرح يوما دمي.
وفي كل يوم أزداد بها تعلقا، وكلما نهوني عن حبها ازددت بها حبا وهياما، فصرت كالمجنون في حب ليلاه والهيام بها.
سرت في دمي، وصارت شراييني طرقها التي تجوبها ليل نهار، دون شاهر ولا ناهر ولا ناه ولا زاجر.
سيدة الجسد كانت وملكته، تأمر والكل يجيب، وتنهى والكل يمتثل، ولا عاصي لأمرها.
خوفوني منها وكادوا لها عندي بقصد التفريق بيني وبينها، ولكن صرت كمن قال:
«محضتني النصح لكن لست أسمعه إن المحب عن العذال في صمم».
تداعى العذال والوشاة من كل حدب وصوب وزجروني وقرعوني وحذروني، فكنت كـ «شارب الخمر، يتداوى بالخمر». كم وكم سألوني، متى ستكف عن هواها وتهجرها وتنساها، فأقول لا سمع الله لكم، إن كففت عنها وهجرتها، فذلك دليل علة فيّ، فمادمت في عافيتي فهي رفيقتي ودواء علتي.
وأخيرا وبعد هذا العمر الممتد لأكثر من نصف قرن وبعد هذه العشرة التاريخية، أراني قد ضعفت ولانت أذناي للعذال وأصغتا لهم وقالتا لبيكم.
وهأنذا الآن في بدء إجراءات إنهاء العلاقة مع عشيقة العمر الجميل البيضاء الممشوقة الحارقة قلبي.. «سيجارتي المفضلة». أعترف بأن هجرها ليس سهلا وأني مازلت في هواها أسيرا أفتقدها وأمد يدي إلى غمدها، فتعود حسيرة خاوية.
كأن رأسي دونها ينتقل من يميني إلى شمالي، وكأن عينيّ تنظران إلى الداخل، وكأن أذنيّ تسمعان هفهفة احتراقها تقول لي ردني إليك لا تهجرني فأضل من بعدك وتضل من بعدي.
صعب هجرانها، وعسير فراقها، ووعر طريق هجرها، وشائك طريق العودة إليها.
أسمعها تناديني، تضج بدمي وشراييني، تؤنبهم على خيانة العشرة، وتهددهم بدفع فاتورة الخيانة والتخلي عن العشرة.
أكتب الآن بربع تركيز ورأسي كطائرة ضلت مدرج هبوطها ومازالت تحوم كعقاب جائع.
لا خطوة للوراء لا عودة إليك يا حبيبتي، هجرتك هجرة محب لا هجرة كاره، لأني لم أجد منك على مدى كل هذا العمر ما خوفوني منه.
فوداعا بلا لقاء يا حبيبة.
[email protected]