من السفه والعبث المغامرة بمصائر الدول لأي هدف أو غرض كان، لأن الدول وجدت لتبقى وليستقر ناسها ويسيروا في خطوط الحياة واتجاهاتها بانين لا هادمين.
ورغم تثميني وتقديري لحق بعض أعضاء مجلس الأمة فيما يثيرونه من محاولات تنقيح الدستور من أجل أسلمة القوانين بلوغا إلى الدولة الدينية الكاملة، فإني أرى عدم صواب الرؤية لدى أولئك الإخوة أو حتى من يؤمن بطروحاتهم ويشجع أهدافهم.
إن ربط هذا الأمر بدرجة التدين هو خطأ وهو نوع من مخادعة الذات أو مخادعة الآخرين، لأن التدين أمر فردي لا جمعي وهو خاص بالفرد ويتعلق به، وفي يوم الحساب يحاسب الفرد على أفعاله ولا يحاسب الجمع على ما فعل الفرد.
كما أن الادعاء بضرورة الأخذ بالتشريعات الإسلامية هو استجابة للأوامر الدينية أو الربانية هو في الحقيقة قول فيه من الصحة الكثير، ولكن فيه من الخطأ أكثر إذا ما علمنا بقصور التشريعات عن تغطية جميع متطلبات الحياة العصرية الراهنة والمقبلة، وهذا القصور ليس من عيب في تلك التشريعات، ولكن منبع القصور الظرف الزمني لها، بمعنى أن هذه التشريعات أو القوانين وضعت لعصرها ولتغطية حاجات زمنها، وكانت كاملة ومكتملة آنذاك، ولكنها لا تملك صفة الديمومة والامتداد التاريخي، ونتذكر هنا القول المنسوب للنبي محمد في إجابته على سؤال في أمر دنيوي، حيث قال «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وفي هذا القول تفريق واضح بين شؤون الدنيا وشؤون الدين، ذلك أن امور الدنيا يسيرها ويختص بها الناس والأرض لا السماء ولا الأنبياء.
إن ما يجب أن يربطنا بالدين هو ثوابته وتعليماته الربانية، وليس ما لحق به من اجتهادات بعض الناس ممن سموا أئمة أو مجتهدين والذين قننوا وشرعوا للعصور التي عاشوا فيها ولما يوافق أزمنتهم وحتى ظروفهم المكانية، ونتذكر الإمام الشافعي الذي غير كثيرا من أفكاره وفتاواه الشرعية بعدما غير مكان إقامته.
ولكل عصر أئمته ومجتهدوه، ومن الخطأ إدامة التشريعات على مر الأزمنة، وعلماء زماننا هذا أعلم كثيرا من علماء تلك العصور الغابرة، ومن الخطأ الأخذ من القدامى والتنكر للمحدثين وهم يعيشون زماننا وظروفنا.
[email protected]