دأب الكثيرون من المفكرين وأهل الرأي، ومنذ سنوات طويلة، على المطالبة بما أسموه «تجديد الخطاب الديني»، كرد على ما شاع من خطاب ديني متشدد مغال داع للقتل وللكراهية، ومقيم الحواجز بين أهل الملل والنحل.
وفصل البعض من أولئك المطالبين، كيفية التجديد المقصود وفسروه بضرورة استبعاد ما هو غير موثق وغير مؤكد من روايات دينية يتناقض مضمونها مع نصوص القرآن بحيث يكون العلو والسمو للقرآن فوق غيره ويكون هو المرجعية الوحيدة للإسلام وللمسلم، مع عدم إهدار الأحاديث النبوية جميعها، ولكن ما هو مشكوك في صحته ومطعون بمضمونه لتناقضه مع القرآن!
ورغم عدالة مثل هذا المطلب ونبل القصد منه فهو يقابل برفض من كثير من جهات مسؤولة وذوات شأن في القرار الديني.
لم يتغير شيء للأفضل على مدى سنوات تلك المطالبات كلها، ولكن ما حدث هو العكس، قوي ذلك الخطاب وانتشر وتوسع وكثر أصحابه وجمهوره، بل إنه صار يستهوي البعض من غير المسلمين فدخلوا الإسلام على وقع ما سمعوا من رنين ذلك الخطاب في آذانهم، وفرح أصحاب ذلك الخطاب بأنهم جلبوا للإسلام نفرا كانوا «كافرين»!!
سيبقى الحال كما هو لو استمررنا على هذا المنوال ولم نحاول الخروج منه، ومثلما تحدث المطالبون بتجديد الخطاب الديني وفسروا كيفية تحقيق هدفهم، فإن تفسير كيفية الخروج من هذا المأزق هو بإلغاء الخطاب الديني إلغاء كاملا باتا!!
وعلى وقع هادئ يمكننا فهم مثل هذه المطالبة بأنها تعني عدم التوغل في الشأن الديني وإقحام الدين في كل أمر من أمور الدنيا وعدم المساعدة على نشر وتداول ما ينطوي على مضمون ديني خارج عن السياق وعن الذوق، والاكتفاء بمنابر صلاة الجمعة وتطوير الخطاب الملقى من فوقها، وذلك أمر بإمكان الحكومات ضبطه، مع التشديد على إعلاء نبرة التسامح والتقارب بين البشر من مختلف الأديان والأعراق والملل، وتجريم كل داع للعنف وللكراهية وللبغض، فليس من المعقول مثلا أن يظهر أحد «المجرمين» على شاشة التلفزيون، والملايين تراه ليتحدث بشماتة وبفرح لموت «الأنبا شنودة» بابا المسيحيين المصريين، وما ذلك الفرح وتلك الشماتة إلا لأن «الأنبا شنودة» مسيحي!!
[email protected]