رغم ما بلغته من رقي وتمدن، فإن البشرية لم تزل تنظر إلى المرأة نظرتها الأولى المحصورة في الجسد وتلبية حاجات الرجل.
كل هذا العلم وكل هذه التقنيات الهائلة التي يحيا في ظلها ابن القرن الحادي والعشرين، فإن المرأة مازالت هي المرأة في عين الرجل.
كل خطابات التحرر وقوانين المساواة ومؤتمرات حقوق المرأة وتوصياتها والشعارات والأشعار ورفع البيارق وتدفق الحناجر والزعيق والصراخ، لم تغير نظرة الرجل.
هذا في شرقنا وفي غربهم وفي جنوبهم وفي شمالهم، كل الرجال اتحدوا على ان المرأة وعاء ليس إلا.
جرى العرف البشري أن يكون الزوج أكبر عمرا من الزوجة، وفي النادر جدا أن تكون الزوجة أكبر من الرجل بسنة أو اثنتين، وتكثر حالات زواج الرجال بنساء تصغرهم كثيرا بما يزيد على عشرين سنة أو أكثر، ولكن المجتمعات الإنسانية برجالها ونسائها تتقبل مثل هذه الزيجات التي تصغر فيها الزوجة زوجها بعشرين عاما وأكثر ولا ترى في هذا الفارق الكبير في العمر شذوذا أو ما يعيب الزواج.
ولكن لو حدث العكس وتزوج رجل من امرأة تكبره بعشرين عاما أو حتى أقل أو أزيد، فسوف تنوح النائحة وتصيح الصائحة ولسوف يشمت البعيد ويستهزئ القريب ويستنكر الرائح ويحتج الغادي، وكأنما قد حدث حدث جلل يرج العظام في مهاجعها.
وفي اقل من سنة رأينا تجربتين متعاكستين تدلان على ما نحن بصدده وتؤكدانه، فلقد تعرفنا على زوجة الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» واسمها «ميلانيا» والتي تصغر زوجها بأربعة وعشرين عاما، وأيضا عرفنا قبل أيام زوجة الرئيس الفرنسي الجديد «بريچيت» والتي تكبره بأربعة وعشرين عاما!
لم ينصدم العالم ولم يمط شفتيه ولم يشح بوجهه فيما يخص زوجة «ترامب» التي تصغره بأربعة وعشرين عاما، ولكنه العالم نفسه هاج وماج وخلط السمك بالدجاج لأن زوجة الرئيس الفرنسي أكبر منه بأربعة وعشرين عاما! رغم أن الاثنين يحبان بعضهما وتقوم علاقتهما على قواسم مشتركة كثيرة فكرية وإنسانية وثقافية، وهو حين أعجب بها كان تلميذها وسبب إعجابه بها كان عقلها وشخصيتها ولم ينظر لها كامرأة تشبع غريزته ويقضي منها وطره وكفى!
عالم مستبد ومتخلف.
[email protected]