[email protected]
حين نكتب عن خرافة القومية، يغضب الكثيرون ويبالغون في غضبهم وربما يصلون إلى مرحلة السباب والطعن والتشكيك والتخوين.
لم يعرف العرب في تاريخهم مفهوم القومية ولم يقتربوا منه ولم يكن من زادهم الثقافي ولا من تكوينهم أبدا، بل إن ما كان سائدا لديهم في عصورهم المتقدمة تلك سواء قبل الإسلام أو بعده، هو مفهوم القبيلة وتأكيد الانتماء القبلي لا العربي ولا القومي.
وحين قال شاعرهم «عمرو بن كلثوم»:
«وإذا بلغ الفطام لنا صبي.. تخر له الجبابر ساجدينا»
لم يكن يقصد أمة العرب «الواحدة» في أدناها وأقصاها وفي كل بقاعها وسكناها، بل كان يقصد قبيلته التي ينتمي إليها، لذلك سمي الشاعر آنذاك بلسان القبيلة، وعلى قدر جزالة شعراء القبيلة وقدراتهم الشعرية، تتحدد مكانة القبيلة وتأخذ أهميتها بين القبائل.
إذن فإن خرافة القومية تم نسجها في الأزمنة المتأخرة أو بالأحرى منذ زمن لا يتجاوز ربما المائة عام، ولم تكن معروفة قبلها، علما بأن من نسجها لم يكن عربيا ولكن ظروفا سياسية معينة هي التي نسجتها من أجل أن تبني عليها القوى الراسمة تلك الظروف والمخططة لها خارطة للمستقبل، وقد نجحت.
في تركيا نشأت نزعة التتريك، ولم يكن العرب بعيدين عن المحور التركي، بل هم شوكة في اليد التركية، لذلك سهل نقل العدوى إلى العرب فأوجدوا ما سمي بالقومية العربية، والتي جاء الإنجليز مستعمرو ذلك الزمان ومعهم الفرنسيون لتأكيدها، وقد دعا الإنجليز إلى إنشاء ما يسمى بـ«الجامعة العربية»، وهي الوتد الذي ربط به العرب فلم يستطيعوا منذ ذاك الزمان التحرك قيد أنملة.
من الصعب تصور قيام إسرائيل دون أن يكون مهيمنا على العرب وهم القومية والأمة الواحدة، فلم يكن المقصود احتلال فلسطين وإيلام الفلسطينيين وحدهم، بل إن القصد هو أن يكون هناك من يتعاطفون مع الفلسطينيين بدافع قومي، ولتسخير ثروات قادمة في دول ما كانت حينها تظهر على الشاشة وهي دول الخليج والجزيرة العربية، من أجل تبديدها على الأمن القومي ودعم القضية الفلسطينية وما إلى ذلك من أوهام. ولقد نجحت خرافة القومية في تحقيق أهدافها وزاد حجم الألم إنسانيا وجغرافيا.