في ربيع العام 1963 كنا مجموعة من الأصدقاء والأقارب وفي أعمار متقاربة، أقمنا مخيما ربيعيا بسيطا يماشي واقع ذلك الزمان، ولم تكن إقامة المخيمات الربيعية آنذاك ظاهرة مثلما غدت فيما بعد، ولم تكن مرفهة بالقدر الذي باتت عليه في العقود التالية.
وكنا نتسامر في الليل وكان أحدنا عازفا ماهرا على العود ونصاحبه نحن بالآلات الايقاعية ونردد أغاني تلك الفترة، وعلى بعد مئات الأمتار من مخيمنا كان هناك مخيم آخر لمجموعة من الشبان، نمت بيننا وبينهم علاقة صداقة، فكنا نتزاور في بعض الليالي.
وفي إحدى الليالي جاءنا أولئك الشبان أصحاب المخيم الآخر للسهر عندنا وكان معهم ضيف نراه للمرة الأولى، وكان شابا هادئ الطباع خلوقا مهذبا، ولما بدأنا السمر بدأ ذلك الشاب بالغناء، فإذا به ذو صوت جميل وأداء متقن.
عرفنا منه أنه طالب في قسم الموسيقى في معهد المعلمين ومن طلبة الدفعة الأولى في المعهد الذي مر على إنشائه حينها أقل من سنتين.
هذا الشاب غدا بعدها بسنوات قليلة مطربا شهيرا ذائع الصيت ومن مطربي الصف الأول في الكويت في ستينيات القرن العشرين. هو الفنان المطرب المتميز «حسين جاسم» الراحل عن دنيانا قبل أيام قليلة.
بعد ذلك تعارفنا أكثر بحكم عملي أنا كمذيع وسطوع نجمه هو كمطرب، وتعددت اللقاءات بيننا في أروقة الإذاعة وترسخت قناعتي به كإنسان ذي خلق رفيع يحمل الود للجميع ولم تغيره الشهرة والنجومية بل بقي كما هو على تواضعه وطيبته.
في ظني وعلى ما أذكر فإن جميع أغنياته التي غناها نجحت وحققت جماهيرية كبيرة وبقيت في ذاكرات الناس كل هذه السنوات الممتدة والتي نافت على الخمسين، منذ انطلاقته بالأغنية الدينية الشهيرة «يا إله الكون» مرورا بـ «أيا غالي يا بو الموقة» والتي حققت نجاحا ساحقا حينها، و«توني عرفتك زين» وغيرهما الكثير من الأغنيات الناجحة، وليس انتهاء بـ «شمعة الجلاس» التي انطفأت شمعتاها مرزوق المرزوق الملحن ثم جاسم شهاب المؤلف، لتلحقهم إلى عالم الموت الشمعة الثالثة «حسين جاسم».
كان صوته شمعة، له الرحمة وصادق الدعاء.
[email protected]