ربما لم يلتفت الكثيرون إلى ما يمكن تسميته بالقدرة على المعرفة، فليس الناس كلهم يملكون تلك القدرة.
ربما ناس يتعلمون ويقرؤون ويسمعون ويشاهدون ولكن تكون حصيلة كل ذلك صفرا أو ما يقارب الصفر، حتى أن عقولهم تخلو من أي معرفة وكأنهم لم يدرسوا ولم يتعلموا ولم يقرؤوا ولم يسمعوا أو يشاهدوا، وذلك لأنهم يفتقدون القدرة على المعرفة في الدرجة الأولى.
وهناك فئة أخرى أبأس حالا من الأولى وهي فئة تملك القدرة على المعرفة ولكنها عاجزة عن توظيف هذه المعرفة أو الاستفادة منها.
هاتان الفئتان مع الأسف هما اللتان تتسيدان المشهد العربي العام، إن في السياسة أو القيادة أو الإدارة أو الاعلام وبقية وجوه المجتمع وقطاعاته وأنشطته.
وتلك هي أسباب الأزمات المتتالية للمجتمعات العربية وعدم القدرة على الخروج من تلك الأزمات وتحسين الأوضاع.
الأزمة تبدأ في المجتمعات العربية وتكبر ولا تصغر وذلك بسبب غياب المعرفة والقدرة على التخليص والحل، والتخليص والحل يتطلبان معرفة وقدرة على توظيف المعرفة وهو ما لا يملكه من تسيدوا المشهد العام وتولوا زمام قيادة المجتمعات.
ويلاحظ المتتبع للبرامج الحوارية في التلفزيونات العربية أو في الندوات وبشكل جلي، ذلك الأمر حيث يتحاور طرفان في قضية ما وفجأة يجنح الحوار إلى ما لا علاقة له بالقضية محل النقاش فتتعالى الأصوات ويبدأ السب والتحقير والتهديد بالضرب، حتى وصل الأمر بأحدهم أن أخرج من جيبه مسدسا ليصرع به زميله في الحوار!!
إنها طبائع الجهل والتجهيل والعصبية التجهيلية سادت في مجتمعاتنا وبالذات بعد انتشار الفضائيات التي صارت مسارح ملونة للبهلوانات والمهرجين في دنيا الكلام الأجوف والآراء التافهة التي تؤدي بصاحبها إلى افتعال المعارك بعدما يعجز عن الاتيان بالرأي العاقل والدليل الحقيقي. فيحس نفسه مهزوما مصروعا أمام الملأ وعلى عادة العجزة والقاصرين فإنهم لا يتقبلون الهزيمة ولا يعترفون بها لذلك يهمون بهدم المعبد على جميع الرؤوس ويثيرون الغبار من أجل تغطية انسحابهم المذل مما ظنوه ميدان المعركة.
وهكذا تجري الأمور في دنيانا العربية المنفلتة وغير المنضبطة وليس في الأفق ما يشي بانجلاء هذه الغمة، فلا تستبشروا.
[email protected]