القدس وسفارة أميركا في إسرائيل، موال طويل طويل، عمره عقود من سنين، ومكتوب بشوك جارح ومداده دم بريء يسيل دون ذنب.
كالعادة وكما هو متوقع وبمجرد إعلان السيد الاميركي «ترامب» نيته نقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس، حتى التهبت عواطف العرب وأوقدت نارا.
ترك كلُّ لائكٍ فراغاً وكلُّ ماضغٍ هواءً، فراغه وهواءه، ليخرج منددا بالقرار الذي هو مجرد كلام قد يصير أو لا يصير، يتحقق أو لا يتحقق.
امتلأت الشوارع وفاض الصخب وطاشت العقول واشتعلت النيران. يجرح من يجرح ويموت من يموت، وكأنما أولئك الميتون هم فائضون عن الحاجة وأهليهم ليسوا في حاجة إليهم!!
لماذا يموت الناس العرب هكذا وبمنتهى السهولة؟ لماذا يموتون في مدنهم وقراهم وشوارعهم وحذو بيوتهم وأمام أنظار أمهاتهم أو أولادهم؟ وما هو ثمن موتهم ولماذا قدموا أرواحهم هباء؟
الموت العربي ليس من أجل القدس، لا ولن يقتصر على القدس، بل إنه موت مجاني لأجل أي جنون يثور في دنيا السياسة العربية.
لقد مات قبلهم من مات لأجل صدام حسين ولأجل القذافي والأسد وحزب الله وداعش والقاعدة وحتى «محمد مرسي» دخل قائمة الرموز الذين يستحقون أن يموت العرب من أجلهم.
أيها السادة العرب العقلاء الراشدون قولوا لشعوبكم من الصادقين والطاهرين والأنقياء إن الموت ليس بمثل هذه المهانة والاستهانة وأن دماءكم غالية وليست رخيصة وأن لحومكم وشحومكم وعظامكم هي ملك عام وليس خاصا بكم وبالتالي ليس من حقكم التفريط به في سبيل الهواء والعبث.
قولوا لهم إن القضية اسمها القضية الفلسطينية وليست هناك قضية تحمل اسم القضية «القدسية» وأن القدس هذه مجرد أرض تقع ضمن الأراضي الفلسطينية التي أعلنت إسرائيل دولتها عليها، وأن موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس لن يغير في أمر القضية شيئا، ولن يزيد الاحتلال شبرا واحدا.
إن مثل هذه القضية لها أمكنتها التي تناقش فيها نقاشا قانونيا سياسيا، وليست أماكنها الشوارع، وحججها وثائق وقوانين، لا هتافات الميادين.
إنها قضية محكومة بمواثيق واتفاقات ومكانها الأمم المتحدة لا شوارع غزة والضفة وإسطنبول والقاهرة!
فليتهم يتعظون!!
[email protected]