الظروف السياسية للنصف الثاني من القرن العشرين، ومع بدء الانقلابات العسكرية في بعض البلاد العربية وأهمها مصر، وكذلك بدء انسحاب بريطانيا من الدول العربية التي تحتلها، هذه الظروف تطلبت حضور شخصية قيادية تتبعها الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، فحازت شخصية الرئيس المصري جمال عبدالناصر تلك المكانة وصار هو الزعيم والملهم والقائد الذي هفت إليه قلوب العرب وتعلقت به أفئدتهم ورموا بثقلهم عليه باعتباره القائد.
ولقد ساعدت إمكانات مصر ومكانتها على سهولة بروز رئيسها ورسمه كزعيم للعرب. فمصر هي حاضنة الثقافة العربية والإعلام والفن والسينما وهي الأكثر تقدما بين شقيقاتها العربية وهي أيضا الأكثر عددا وانتشارا على الخارطة العربية.
ومثل عبدالناصر طوال عقدي الخمسينات والستينات تقريبا سيد العرب المطاع وزعيم العرب فعلا لا مجازا، فكل حدث عربي موكول أمره إليه.
ومازال عبدالناصر وحتى يومنا هذا ولدى بعض العرب هو الزعيم العربي الأمثل.
وبعد وفاة عبدالناصر تفرقت عواطف العرب وكرهوا الرئيس الذي خلفه لا لسوء فيه ولكن لأنه خلف عبدالناصر وكأنه هو الذي قتل عبدالناصر ليحل محله، وخلت ساحة العرب من زعيم جماهيري يخاطب الغريزة العربية المحبة للتبعية والاتكال وإزجاء أمرها إلى وكيل يتوكل عنها ويحمل همها، وتنافس رؤساء الجمهوريات العربية على الحلول محل عبدالناصر في نفوس العرب، كرئيس ليبيا القذافي والسوري حافظ الأسد وفيما بعد العراقي صدام حسين، وحاول كل منهم الحلول محل عبدالناصر ولكنهم فشلوا جميعا وإن نال كل منهم نصيبا ضئيلا جدا من كعكة الجماهير العربية المهتاجة والمحتاجة إلى سيد تتبعه.
ولما خلت الساحة العربية بموت هؤلاء الثلاثة القذافي والأسد وصدام، اتجهت أنظار العرب إلى شخصية تجيد الاستحواذ على العواطف الشعبية والتغلغل فيها واللعب عليها، فكان الرئيس التركي أردوغان هو ذلك الزعيم الذي حول عواطف العرب من العواطف القومية إلى العواطف الدينية مع إبقائه على بصيص من العروبة كطعم يصطاد به المشاعر العربية الطائشة، وكان ذلك الطعم هو فلسطين الذي يعرف مدى توغلها في نفوس العرب، فحمل راية فلسطين وهو الأكثر وقوعا في أحضان إسرائيل من حيث تبادل المصالح معها ولكن إسرائيل تسمح له بإظهار البغض لها إعلاميا ما دامت الأمور سالكة بعيدا عن الإعلام.
[email protected]